في ظل الضغوط التي نعيشها في عالمنا العربي، ولا سيما في لبنان، ينسى الفرد نفسه في زحمة الهموم الحياتية، فكيف إذا كان صحافياً يتابع ما يتم تداوله من أخبار، ويقوم بتغطية نزاعات وحروب وجرائم يومية وحالات انتحار... كلها أسباب يمكن أن تؤثر في صحتنا النفسية والجسدية، وبالتالي يتوجّب علينا أن نحمي أنفسنا من هذه العوامل عبر تخزين المشاعر الإيجابية.
حياة مرشاد: هذه هي التحديات التي واجهناها
نظّمت جمعية Fe-male جلسات للعناية بالذات بالتعاون مع «أبعاد» والمدرّب والإعلامي ميلاد حدشيتي. وتشير مديرة جمعية Fe-male حياة مرشاد إلى أن الجمعية تنظّم هذه الجلسات في إطار برنامج شراكة مع جمعية «أبعاد» وبدعم من وزارة الخارجية الهولندية. وتقول: «نعاني كأشخاص عاديين وصحافيين ضغوطاً يومية في حياتنا، وتأثير هذه الضغوط في الصحافيين يكون أكبر لأنهم يستمعون إلى قصص كثيرة ويغطّون أخباراً متنوعة، ولا سيما تلك المرتبطة بالعنف.
ففي الدول الأوروبية، تخصّص وسائل الإعلام عادةً جلسات عناية بالذات لصحافييها، وهو ما ليس متوافراً في لبنان، لا بل إن المؤسسات التي نعمل فيها لا تضمن لنا هذا الحق»، وتضيف: «يتركز عملنا في Fe-male مع الصحافيين، ويهمّنا أن تعتني هذه الفئة بنفسها وبراحتها النفسية لكي تتمكن من الاستمرار في القيام بواجباتها وتأدية رسالتها الهادفة، وبالتالي نسعى لتعليم الصحافيين الذين نتعاون معهم كيفية التخلص من الضغوط التي يرزحون تحت وطأتها».
وعن التحديات التي واجهت الجمعية، تقول مرشاد: «التحدي كان كبيراً بحيث لم يعتد الصحافيون على هذه الفكرة، فالبعض اعتبرها سخيفة أو مضيعة للوقت، والبعض الآخر أكد أن العمل المتواصل لا يسمح لهم بتخصيص ساعتين أو ثلاث لتفريغ الشحنات السلبية، وأحياناً تُفهم فكرة العناية بالذات سلباً، كعلم النفس تماماً، مثلاً: اذا اقترحت على أحدهم أن يزور طبيباً نفسياً، يرفض لأنه يعتبر أن المجانين وحدهم الذين يزورون الأطباء النفسيين! لكن جميعنا بحاجة إلى طبيب نفسي، ومن الضروري الاعتناء بأنفسنا... كل هذا كان تحدياً لنا، وكلما ازداد عدد الجلسات تمكّنا من كسر هذا «التابو» بسهولة. كما تلعب حماسة بعض الصحافيين دوراً في تشجيع الآخرين على الخضوع لهذه الجلسات، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، ومن الجيد أن ندخل هذا المفهوم إلى حياتنا وندرك أهميته».
ميلاد حدشيتي: لا إطار محدداً لتخزين المشاعر الإيجابية
يتحدث الإعلامي والمدرب ميلاد حدشيتي عن الجلسة الثانية التي تم تنظيمها للصحافيين فيقول: «الجلسة كانت تطبيقية. ففي الجلسة الأولى ركّزنا على أهمية المشاعر الإيجابية، ونقاط القوة والمرونة النفسية، وأظهرنا كيفية تخطّي الصعاب والأزمات والمشاكل التي تعترض حياتنا. لذا حاولنا في هذه الجلسة تطبيق النقاط التي ذكرناها، والتي تهدف إلى تغليب المشاعر الإيجابية وتعزيز مخزونها، لذلك من الضروري أن يختبر الصحافي هذه المشاعر حتى يحسّ بها فعلاً، فما لا نعرفه لن نستطيع البحث عنه والحصول عليه».
ويضيف حدشيتي: «خلال الجلسة، حاول الصحافيون استحضار اللحظات الجميلة في أذهانهم وطرد كل الأفكار المزعجة بهدف تعزيز مخزون المشاعر الإيجابية لديهم، وذلك عبر القيام بعدد من النشاطات كالرياضة والرقص والتنفس الصحيح»، مؤكداً أن لا إطار محدداً لاستقطاب المشاعر الإيجابية وتخزينها في دواخلنا، فثمة طرق عدة يمكن اتّباعها وتساهم في جعل حياتنا أفضل.
ويكمل حدشيتي حديثه موضحاً: «الصحافي هو ابن بيئته، ولكن المشاكل التي نعانيها كصحافيين هي نفسها، وفي النهاية يبقى العنف واحداً، فجرائم الاغتصاب والعنف والحروب والمشاكل الاجتماعية تحدث في مختلف المناطق وإن تعددت الوسائل والأسباب، ولكن يبقى لكل صحافي خصوصيته في المنطقة التي يعمل فيها، ففي لبنان بيئات محافِظة أكثر من غيرها، لذا يتخذ الصراع فيها طابعاً محدداً، ويضطر هؤلاء الصحافيون أحياناً أن يعيشوا هذا الصراع.
ومن هنا أؤكد ضرورة الاعتناء بالذات، فجسم الإنسان كالسيارة، يحتاج إلى صيانة دورية، وهو لطالما صرخ من التعب والألم من دون أن يلقى آذاناً صاغية. فصيانة الذات والمشاعر حاجة ملحّة لنستمر في الحياة. وقد شهدنا في الآونة الأخيرة الكثير من حالات الاكتئاب والانتحار، مما يؤكد أن صحتنا النفسية في خطر، فالمشاكل التي نتعرض لها هي نفسية أكثر منها جسدية، وبالتالي علينا أن ندرك كيفية التعامل معها».
وعن علاقة الأم بأطفالها، يشير الإعلامي اللبناني إلى أن أحد أعمدة علم النفس الإيجابي هو التربية المنزلية والمدرسية، والاستمرار في إدخال المفاهيم الإيجابية إلى حياة الأولاد من خلال التعليم والتربية. إذ على الأهل أولاً أن يتعلّموا قراءة مشاعرهم وكيفية التفاعل معها، ليجيدوا بالتالي التعامل مع مشاعر أولادهم، ويعلّموهم التعبير عنها والتفاعل معها بطرق إيجابية. أحياناً تكون ردود فعل الأهل عنيفة، ولتفادي ذلك، يمكنهم تنفيس الاحتقان بالمشي والرياضة والرسم والتنفس الصحيح، فهذا التعاطي مع المشاعر، على الأهل أن يعلّموه لأولادهم بأساليب أكثر إيجابية وإفادة لهم ولأولادهم.
أما بالنسبة الى التربية المدرسية، فهناك جلسات خاصة للأساتذة يتم خلالها تناول المواضيع المتعلقة بقدرات الطفل وتنميتها ودعمها وبث المشاعر الإيجابية بين التلامذة والتعاطي المرن مع المشاكل ليساعدوا الطالب على أن يصبح أكثر شغفاً ولا يمل بسرعة، وبالتالي هذه مهارات على الأستاذ أن يتعلّمها أولاً ليعلّمها للتلميذ. ثمة العديد من المشاريع التي نعمل عليها، يقول حدشيتي، ولكن تنقصها المظلة الكبيرة، أي الاهتمام من الجهات المعنية.
مثلاً دعا رئيس الجمهورية منذ فترة إلى التفاؤل، فكيف أتفاءل في غياب معايير نفسية تشجّعني على التفاؤل؟ ويتابع: «غرّدت حينذاك بأنه إذا كانت حالتنا النفسية متدهورة فلن نشعر بالتفاؤل». التفاؤل هو مهارة نكتسبها ونتعلمها، وهذه المهارة بحاجة إلى تنظيم ووعي واهتمام بالصحة النفسية. وعلى الرغم من المحاولات الفردية لبعض الجمعيات والمدربين، ينقصنا الدعم لهذه البرامج لتفعيلها ولتحقق الهدف المنشود منها.
ويشدد حدشيتي على أنه لم يكتفِ بالتحدث عن الموضوع، وإنما أنشأ جمعية تهتم بالصحة النفسية بهدف التغيير الفعلي. بعيداً من وجود مدرب يوجه حياتنا نحو الإيجابية، على كل فرد أن يُقيّم الإيجابيات في حياته، من صحة، عائلة وعمل... ويهتم بهذه النِعم ويقدرّها على الرغم من المشاكل الحياتية، فإعادة تقييم الأمور تُغيّر حياتنا، ويقول ميلاد: «لو أعدنا قراءة الأمور بطريقة مختلفة لاختلف واقعنا، وبالتالي لماذا نصوّر أنفسنا في موقع الضحية، ولا نتحمّل مسؤولية خياراتنا».
ما هي جمعية Fe-Male
هي مجموعة نسوية، مدنيّة وغير حكومية، تعمل مع النساء والفتيات من أجل القضاء على التمييز واللاعدالة الجندرية من خلال بناء حركة نسوية شابة، وتمكين صانعات وصنّاع التغيير وإطلاق ودعم الحملات الهادفة إلى إلغاء القوانين والسياسات والأفكار التمييزية.
جهدت منظمة Fe-Male منذ تأسيسها في العام 2012 على العمل من أجل مناهضة تسليع وتنميط وإستغلال النساء في وسائل الإعلام والإعلان في لبنان وقد بادرت المنظمة إلى إطلاق العديد من البرامج والدراسات وتنفيذ أنشطة مختلفة في هذا الإطار، بالإضافة إلى تدريبات ولقاءات وجلسات عناية بالذات.