في فيلم نتفليكس الجديد "Cuties"، مشهد تظهر فيه فرقة من أربع فتيات بعمر الحادية عشرة، يلبسن ثيابا ضيقة ولمّاعة ويضعن مكياجا براقا، وهن يرقصن على مسرح أمام لجنة تحكيم.
يحركن أجسادهن بطريقة تعلّمنها من فيديوهات الأغاني التي يشاهدنا عبر شاشات هواتفهن المحمولة، بطريقة فيها إيحاءات جنسية فجّة. المشهد صادم يجعلك تدير وجهك فورا بعيدا عن الشاشة حتى تختفي تلك اللقطات.
أزعج هذا المشهد تحديدا كثيرين في أنحاء العالم، حتى أولئك الذين لم يشاهدوا الفيلم كاملا، وانتقدوا تصوير الممثلات الصغيرات بطريقة جنسية، خوفا من جعل مثل هذا الانتهاك بحق الفتيات عموما أمرا عاديا.
لكن يبدو أن قرف الناس من هذه اللقطات هو تماما ما أرادته المخرجة.
مخرجة وكاتبة الفيلم، ميمونة ديكوريه، ذات الـ35 عاما، هي فرنسية من أصل سنغالي، كبطلتها أيمي، وهذا فيلمها الأول الذي تقول عنه إنه يظهر جزءا من قصة حياتها هي.
بعد الضجة الكبيرة ضدها إثر عرض الفيلم، كتبت ديكوريه في صحيفة واشنطن بوست مقال رأي قالت فيه: "هناك أشخاص وجدوا بعض مشاهد الفيلم مزعجة عند مشاهدتها.
لكن لو استمعوا حقا لفتيات بعمر الحادية عشرة، لوجدوا أن حياة الفتيات في الواقع مزعجة بالفعل". "رؤيتهن هكذا تفطر القلب" عرض فيلم "كيوتيز Cuties" أول مرة في مهرجان صندانس للأفلام (Sundance film festival) في شهر يناير/كانون الثاني وحاز على إعجاب النقّاد. ولكن قبل أن يعرض الفيلم على نيتفلكس ويصبح متاحا لعامة الناس، تعرض لحملة انتقاد كبيرة - والسبب كان بوستر الفيلم. يوم 4 سبتمبر/أيلول، قالت ميمونة ديكوريه إنها قد تلقت تهديدات بالقتل بعد نشر صورة البوستر.
وأكدت أن الرئيس التنفيذي المشارك في نيتفلكس، تيد ساراندوس، اتصل بها مباشرة واعتذر عن البوستر الذي تسبب بالضجة، والذي لم تكن قد رأته من قبل.
لكن الأمر لم يعد يقتصر على البوستر.
بدأ في الأسبوع الماضي عرض الفيلم على نيتفلكس، ومنذ ذلك الوقت وكثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في أنحاء العالم يطالبون بإلغاء الاشتراك بخدمة نتفلكس. مشهد رقص الصغيرات استفزهم وقالوا إن نيتفلكس "تروج للبيدوفيليا (الاعتداء الجنسي على الأطفال)".
وانتقد كثيرون سماح الأهل لبناتهم بالظهور هكذا في الفيلم، ودعا كثيرون لإجراء تحقيق في كيفية تصوير الفيلم وما إذا كان هناك انتهاك لحقوق الفتيات الممثلات.
علما أن الأمر لا يقتصر على لقطات الرقص، فهناك أكثر من مشهد تحاول فيه الفتيات، بسذاجة، إغراء رجال حولهن من خلال الحركات التي تعلمنها مما يشاهدنه على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتصر المخرجة على أن الناس لم يفهموا فكرة فيلمها.
تقول إنها رأت بنفسها فرقة فتيات بذات العمر يرقصن هكذا، لذلك أمضت عاما ونصف العام تتحدث مع أكثر من مئة فتاة من مختلف أنحاء باريس أعمارهن بين العاشرة والحادية عشرة.
وتوضّح أنه كان برفقة فريق العمل مستشار نفسي، كما أن الفريق حصل على موافقة الجهات المسؤولة عن حماية الطفل في الحكومة الفرنسية، كما كتبت في مقال واشنطن بوست.
في الفيلم نشعر أن الفتيات بريئات ويشبهن عمرهن، لكنهن يبدأن بتقليد مغنيات بالغات يشاهدن عروضهنّ على إنستغرام وتيك توك ويوتيوب، كل ذلك بهدف الفوز بمسابقة الرقص ليصبحن مشهورات.
كتبت ديكوريه: "رؤيتهن تحت كل هذا الضغط بعمر مبكرة يفطر القلب. تجربتهن على وسائل التواصل الاجتماعي كانت هي مرجع الفيلم". "نحن، كراشدين، لم نعط الأطفال أدواتا تمكنهم أن ينشأوا بشكل صحي في مجتمعنا.
أردت أن أفتح عيون الناس على ما الذي يحدث بالفعل في المدارس وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، لأجبرهم على مواجهة صور فتيات يضعن الماكياج ويرتدين ملابس رقص تشبه ثياب نجمات البوب المفضلات لديهن".
حلم إيمي لكن هناك مشهد آخر في الفيلم مهم ومؤثر ومزعج، ولم يُحكَ عنه أبدا.
في بداية الفيلم تشعر إيمي أن والدتها ليست على ما يرام. تشاهدها تتمتم مع امرأة أكبر بالسن لها مكانتها بين نساء الجالية السنغالية في فرنسا، وعندما تسأل أمها عما بها، وعن والدها المسافر، لا تحصل على جواب.
تبدو الأم قوية ومتماسكة ظاهريا. ومرة، وبالصدفة، تسترق إيمي السمع، وهي مختبئة تحت السرير في غرفة نوم والديها، فتسمع أمها تكلم أشخاصا عبر الموبايل وتخبرهم أن زوجها خطب امرأة ثانية من السنغال، وأنها ستحضّر له حفلة زفاف عندما يعود مع زوجته الجديدة إلى فرنسا.
في إحدى المكالمات، لا تتمالك الأم - الجالسة على السرير - نفسها، فتغلق الهاتف في وجه الشخص على الطرف الآخر من الخط، وتبكي بألم. وإيمي - المختبئة تحت السرير - هي أيضا تبكي.
نرى دموعا كثيرة.
بكاءا بلا صوت. طوال الوقت وإيمي ترى والدتها تجهز غرفة زوجها - العريس - في بيت العائلة الضيق، ويبدو أن "زعيمة" الجالية تشجع الأم على الاستمرار هكذا "كي لا تتعرض للانتقاد".
ونرى علب الهدايا التي أرسلها الأب من السنغال وفيها ثياب جميلة تقليدية لترتديها زوجته وأولادهما، ليبدوا جميلين يوم زفافه.
نسمع إيمي تقول مرة لرفيقتها في مشهد آخر من الفيلم إن حلمها هو ألا يعود أباها أبدا من السنغال.
"لا تذهبي إلى الحفلة" مدة الفيلم ساعة ونصف تقريبا، نتعرف فيها على حياة إيمي، الطفلة على مشارف المراهقة، والتي لم يكن لها حياة خاصة بها؛ فكل ما كانت تقوم به هو العناية بأخويها الأصغر منها، والاستماع للتعاليم الدينية والاجتماعية عند ذهابها مع أمها للقاءات أبناء الجالية، باعتبارها منتمية لجالية مسلمة قادمة من السنغال.
تتغير حياتها عندما تلفت نظرها مجموعة بنات في المدرسة أثناء استعداداهن لمسابقة رقص، وتحاول ما بوسعها الانضمام إليهن. في الفيلم انتقاد كبير لطريقة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي يسهل على الأطفال الوصول إليها ومشاهدة كل ما عليها وتقليده من أجل الشهرة والحصول على "الإعجاب".
وفيه عرض لجانب من حياة الجاليات المهاجرة إلى أوروبا، وتحديدا حياة النساء فيها. وفي الفيلم إحساس كبير بتضامن صامت من قبل إيمي، الطفلة ذات الأحد عشر عاما، مع والدتها التي تتعرض لخيانة رفيق حياتها وزواجه بثانية.
تشعر بالتعاطف مع أمها التي لا تقدر على التعبير عن ذلك الألم - إلا بالخفاء. فنشعر بغضب إيمي وكرهها لوالدها من أول الفيلم لآخره - هذا الغضب المكبوت هو العمود الفقري للفيلم.
تقول ديكوريه إن الفيلم هو قصة حياتها ما بين ثقافتين.
"غالبا ما يسألني الناس عن القمع الذي تتعرض له النساء في مجتمعات تعتبر أكثر تقليدية.
وأنا دائما أسأل: لكن أليس تشيئ جسد المرأة في غرب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية هو شكل آخر من أشكال القمع؟ إن كانت الفتيات يشعرن وهن بعمر صغيرة بأنه سيحكم عليهن (من خلال المظهر) فما مقدار الحرية التي يمتلكنها حقا في هذه الحياة؟".
في آخر الفيلم ترفض أيمي الذهاب إلى حفل زفاف والدها (علما أن تعدد الزوجات ممنوع قانونيا في فرنسا منذ عام 1993 - ولم يوضح الفيلم كيف تم الزواج الثاني). توبخهها زعيمة الجالية وتطلب منها ارتداء ثوبها الملون الجديد، وتحاول إجبارها على ذلك بعنف، فتدافع عنها أمها، وتسمح لها بفعل ما تريده. ولأول مرة تتحدث إيمي عما يدور في بالها وتبكي وهي تقول لأمها "أرجوك ماما .. لا تذهبي إلى الحفلة".
المصدر/ BBC عربي