كشف عدد من المقالات في الآونة الأخيرة أن العالم يتجه نحو أزمة شوكولاتة كبرى، وأنها ستنقرض من الأسواق بحلول عام 2050.
ويرجع سبب هذه التوقعات إلى الاستهلاك المفرط للشوكولاتة من أجل استخلاص فوائد صحية وتجميلية كمكافحة الشيخوخة وتخفيف التوتر وتنظيم ضغط الدم وغيرها، حيث ينصح خبراء التجميل باللجوء إلى التدليك بالشوكولاتة لتحسين المزاج وتلميع البشرة وتنعيم الجلد، كما ينصحون أيضا بوضعها كقناع للحصول على وجه أكثر جمالا ونضارة، وللعناية بالقدمين، بالإضافة إلى استهلاك كميات كبيرة على منصات الموضة والأزياء من خلال استغلالها في حياكة التصاميم، واستخدامها أيضا في صناعة مجسمات لنجوم عالمي الرياضة والفن.
أدى كل هذا -إلى جانب تراجع إنتاج الكاكاو- إلى مضاعفة الطلب عليها في السوق العالمية ومن المحتمل أن تتضاعف أكثر بحلول عام 2025 مقارنة بمستواها في عام 2015.
وتعدّ صناعة الشوكولاتة من الصناعات الرائجة، وهي تنمو باستمرار، إذ تقدّر كمّيّة المال المستثمر فيها بحوالي 50 بليون دولار أميركي في السنة، وذلك بالتركيز على المبيعات في سائر أرجاء العالم.
وعلى الرغم من توسّع سوق صناعة الشوكولاتة عالميّا، إلا أنّ مزارعي الكاكاو والعاملين في الخطوات الأوليّة لهذه الصناعة غير مدركين لحجم مبيعات هذه السلعة وقيمتها، حتّى أنّ بعض العاملين في ساحل العاج لم يكونوا يعرفون مذاق الشوكولاتة من قبل، وذلك لغلاء سعرها في مثل ذلك البلد الفقير.
ويوجد أكبر مستهلكي الشوكولاتة بشكل عام في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، حيث يتم تناول أكثر من نصف جميع أنواع الشوكولاتة المنتجة، وتبلغ حصّة أوروبا من هذه الصناعة حوالي 45 بالمئة من قيمة عائدات الشوكولاتة في العالم، في حين أنّ الولايات المتّحدة تبلغ حصّتها ما يعادل 20 بليون دولار أميركي (أي حوالي 40 بالمئة).
ونشأ في الآونة الأخيرة تكتّل من شركات شوكولاتة أوروبية وأميركية تحت اسم “بيغ شوكولاتة”، ينتج ما قيمته 13 بليون دولار أميركي في السنة من مبيعات الشوكولاتة، ويشكل ما مقداره ثلثا الإنتاج في الولايات المتّحدة.
وتعتبر سويسرا أكثر دولة محبة للشوكولاتة في العالم، إذ قدر استهلاك الفرد فيها بأكثر من 8 كيلوغرامات في عام 2017.
وعلى الرغم من أن الأسواق المتقدمة تقف في طليعة إنتاج الشوكولاتة إلا أن فرص النمو المستقبلية يمكن أن تكون في أماكن أخرى، مثل الصين والهند حيث يتجاوز عدد السكان في هذين البلدين مليارين ونصف المليار نسمة.
وقد أدت حركة التحضر السريعة، ونمو الطبقة الوسطى وتغير أذواق المستهلكين إلى زيادة الإقبال على الشوكولاتة.
وتعد الهند حاليا واحدة من أسرع أسواق الشوكولاتة نموا، حيث ارتفع الطلب عليها بشكل مطرد خلال السنوات الماضية، وفي عام 2016 تم استهلاك أكثر من 228 ألف طن، بزيادة قدرها 50 بالمئة مقارنة بالعام 2011، فالهنود لديهم حاسة تذوق لكل ما هو حلو، وأصبحت الشوكولاتة واحدة من مأكولاتهم المفضلة؛ فهم يرون أنها صحية ولا يترددون في تناولها كوجبة خفيفة.
أما بالنسبة إلى الصين -وعقب الإصلاحات الاقتصادية في أوائل ثمانينات القرن الماضي- فلم تكن الشوكولاتة منتشرة بهذا القدر، ما أدى إلى تخلف الصين عن أقرانها من الدول الأخرى من حيث استهلاك الشوكولاتة، وسجلت استهلاكا لا يتعدى الكيلوغرام لكل شخص في السنة الواحدة.
لكن الأمور تتغير مع ظهور اتجاهات جديدة مثل تطور زراعة البن، مما أثر على طرق استهلاك الشوكولاتة، بالإضافة إلى ذلك اتجه العديد من أثرياء الصين إلى التسوق عبر الإنترنت من أجل شراء الأطعمة الأجنبية عالية الجودة، وهو ما دفع بعض التجار والموردين مثل علي بابا (أكبر موقع صيني للتجارة الإلكترونية) إلى إعادة النظر في أسلوب عملهم من أجل البقاء على رأس قائمة مصادر التسوق عبر الإنترنت.
إنتاج معرض للخطر
صناعة تعاني استغلالا مفرطا في عالم الموضة والجمال
يكافح منتجو الشوكولاتة من أجل الحفاظ على الإنتاجية، فثمرة الكاكاو التي يتم من خلالها تصنيع الشوكولاتة (مشتقات الكاكاو تعد أبرز مكونات صناعة الشوكولاتة) تحتاج إلى مناخ استوائي رطب وظلال الغابات المطيرة، التي تحد من المناطق التي يمكن أن تنمو فيها. وتوجد مناطق رئيسية لزراعة الكاكاو في منطقة غرب أفريقيا، حيث ساهمت منطقتا ساحل العاج وغانا وحدهما في إنتاج أكثر من 50 بالمئة من إجمالي إنتاج العالم.
ومع ذلك -وكنتيجة للاحتباس الحراري- من المتوقع أن تتحرك زراعة الكاكاو في هذه المناطق صعودا للحفاظ على ظروف النمو المثلى. ويكمن التحدي في أنه عادة ما يتم حظر الزراعة في معظم المناطق المرتفعة المحدودة أو أن هذه المناطق قد لا تكون مناسبة أصلا للزراعة.
وتواجه زراعة الكاكاو بعض التحديات والمشكلات الأخرى، منها الأمراض والآفات، وتشير التقديرات إلى أن هذه المشكلات وحدها تسبب خسائر سنوية تتراوح بين 30 و40 بالمئة من إجمالي إنتاج الكاكاو العالمي.
وأعلنت منطقة ساحل العاج في يونيو الماضي أنها ستضطر إلى إزالة مزرعة كاملة من الكاكاو تبلغ مساحتها 100 ألف هكتار ملوثة بفيروس “البرعم المتورم” لمنعه من الانتشار بصورة أكبر، وأن ذلك سوف يستغرق خمس سنوات على الأقل قبل إعادة زراعة المنطقة مرة أخرى. ونتيجة للمخاطر الطبيعية المقترنة بتقلبات الأسعار، يبحث مزارعو الكاكاو عن بدائل من المحتمل أن تكون أكثر ربحية وأسهل في الإنتاج.
وشهدت إندونيسيا -ثالث أكبر منتج للكاكاو في العالم- انخفاضا في إنتاج الكاكاو منذ عام 2010 بسبب سوء الأحوال الجوية وتقدم عمر الأشجار. ونتيجة لذلك تحول بعض المزارعين إلى زراعة محاصيل أخرى مثل الذرة والمطاط وزيت النخيل.
ترسل هذه التهديدات وارتفاع الطلب في الأسواق الجديدة إشارة واضحة إلى منتجي الكاكاو الرئيسيين، حيث تتطلع غانا -ثاني أكبر مورد للكاكاو في العالم- إلى آسيا وتحديدا إلى الصين من أجل تعزيز إنتاجها السنوي من الكاكاو، من خلال الحصول على قرض بقيمة 1.5 مليار دولار من بنك إكسيم الصيني. وتدعم حكومات الدولتين هذه الجهود بسبب وجود مصلحة مشتركة بينهما تنعكس على سوق الشوكولاتة الصينية.
وتوجد وجهات أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا، منها دولتا الإمارات والسعودية اللتان تحتلان مركزا رائدا في الإنفاق على الشوكولاتة للشخص الواحد، وهو أعلى بكثير من المتوسط الإقليمي. والمستهلكون في هذه الأسواق ينظرون إلى الشوكولاتة باعتبارها رمزا للثروة والغنى، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على العلامات التجارية المميزة.
ويعتبر الجزائريون الشوكولاتة وسيلة معززة للطاقة، مما يدفع إلى زيادة الاستهلاك الفردي خاصة بين الشباب.
صناعة مستدامة
ثمرة الكاكاو توحد جهود منتجيها وشركات الشوكولاتة العالمية
تشارك كبرى الشركات المنتجة للشوكولاتة بنشاط في مبادرات الاستدامة مثل مبادرة “رين فوريست إليانس”، ومبادرة “يو.تي.زي”، ومبادرة “فير تريد”. وقد قامت شركة مارس الأميركية -وهي الشركة الرائدة في صناعة الحلوى في العالم وفقا لمبيعات عام 2017- بتخصيص مليار دولار لتمويل إنتاج المزيد من الكاكاو المقاوم للحرارة.
وعلاوة على ذلك كانت مارس في عام 2009 أول شركة شوكولاتة كبرى تعتمد شهادة تصديق للكاكاو بنسبة 100 بالمئة بحلول عام 2020، تليها الشركات المنافسة هيرشي الأميركية وفيريرو الإيطالية ولينت السويسرية. أما شركة مونديليز إنترناشيونال فتشارك أيضا في سباق مبادرات الاستدامة. وتعتبر شركة ميلكا السويسرية من أحدث الشركات التي تنضم إلى مبادرة “كاكاو لايف”، التي تم إطلاقها في عام 2012 لتمكين مزارعي الكاكاو.
ورغم أن هذه المبادرات تمثل قفزة كبيرة إلى الأمام، إلا أن أصحاب المصلحة الرئيسيين في سلسلة التوريد يعترفون بأن هذه المبادرات لا تكفي لانتشال مزارعي الكاكاو من الفقر، وهي واحدة من المشاكل الرئيسية التي يواجهونها، مثال ذلك منطقة ساحل العاج، المنتج الأساسي للكاكاو، حيث سيكسب مزارع الكاكاو المتحصل على شهادة “يو.تي.زي” دخلا سنويا إضافيا قدره 84-134 يورو بزيادة تقارب 16 بالمئة فقط مقارنة بالمزارع غير المعتمد.
وهناك بعض التحديات الأخرى، مثل الوصول المحدود للشهادات، حيث يجب أن يكون المزارعون أعضاء في هذه المبادرات للاستفادة بشكل كامل من العملية. وفي حالة منطقة ساحل العاج لا يوجد سوى حوالي 30 بالمئة من المزارعين حاليا ممن حصلوا على شهادات معتمدة.
ومن الصعوبات الأخرى ضمان عدم تشغيل الأطفال عبر سلسلة التوريد بأكملها وهو أمر يكاد يكون من المستحيل السيطرة عليه، إذ بيّنت تقارير أنّ ظروف العمل في البلدان المنتجة للكاكاو في أفريقيا قاسية جدا وغير مناسبة، حيث يتم استغلال الأطفال في أعمال شاقة ومتعبة، على سبيل المثال يعمل حوالي 12 ألف طفل كالعبيد في مزارع الكاكاو في ساحل العاج التي تعدّ أكثر بلدان العالم إنتاجا للشوكولاتة.
ولاقت القضية ضجّة في الأوساط العالمية، ووصلت إلى منظمات حقوقية وإنسانية لمكافحة هذا الأمر، كما قامت بعض وسائل الإعلام بإصدار تقارير في هذا الشأن.
ولدى منتجي الكاكاو المحليين في أفريقيا خطط خاصة بهم، وأطلقوا مبادرة شبيهة بمبادرة “أوبك” (مؤسسة تمويل إنمائي حكومية دولية أنشأتها الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول)، يهدفون من خلالها إلى التأثير على أسعار الكاكاو العالمية من خلال تنسيق أفضل لمستويات الإنتاج وسياسات المبيعات بين الدول. وهذا من شأنه أن يحمي بشكل أفضل مزارعي الكاكاو المعرضين لتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية.
ورغم أن إعلان حالة الخطر التي من الممكن أن تتعرض لها صناعة الشوكولاتة قد يكون مبالغا فيه في الوقت الحالي، تبقى المخاطر حقيقية، ومن الضروري أن يتم أخذها بعين الاعتبار.
لكن الوضع يبعث على التفاؤل ولا سيما في ظل مساهمة أصحاب المصلحة الرئيسيين في عملية تصنيع الشوكولاتة بمجهوداتهم الخاصة، ولمعرفة ما إذا كان ذلك سيكفي لتأمين مستقبل الشوكولاتة يتعين على المسؤولين متابعة ومراقبة ذلك باستمرار.