إيمان خالد
كانت أصواتٌ كثيرة تتكلم فِي آنٍ واحد، أهل عمير يقفونَ أمام سيارةِ الإسعاف ويبكون بكاءً مريرا صاح الدكتور حسين يقول بعد أن اندفع إلى الداخل :
_ما الذي يحدث رمزي؟ لمَ الإسعاف ؟ ولمَ أهل عمير يبكون؟
لقد انحبست أنفاسُ رمزي وردَّ بكثيرٍ من العناء:
_ فواز.. فواز يا إبراهيم قتل عمير خنقًا!
صاح مرةً أخرى بذهول :
_ غير معقول؟؟ قل شيئًا آخر يارَجُل..كيف حدث ذلك! لا أصدق لا أصدق!
فواز ليس عدوانيًا كما أنهُ يحب عمير كثيرًا والمصح كله يعرف أنّ فواز أعقل مريض هنا..!
_آه..حدث ذلك في الحمام، المكان الأكثر تسترًا. جنَّ جنونه!
لن أسامح طاقم التمريض على هذا الإهمال؛ أين هم عندما دخلوا حمامًا واحدًا ؟ حتمًا سينالونَ عِقابهم !
_لاحول ولاقوة إلا بالله.
قالَ فجأة بانفعال:
_سأذهب أتحدث إلى فواز الآن.. أنا مندهش!
بل سأجن سأجن ربما آخذ مكانَ عمير بعد لحظات !
_ يارجل لا أريد أن أضحك..
مواصلاً بعد شيء من الصمت: اذهب كانَ اللَّه في عونك.
الساعة 4 عصرًا
بعد أن قام الممرض بإحضار فواز إلى مكتبِ رمزي:
_تفضل يا فواز الدكتور رمزي ينتظرك
دخل بعد لحظة من التفكير..
_تفضل فواز.. اجلس
جلسَ وهو يخفي فرحته:
_أهلا رمزي.. شكرًا. خير؟ لماذا استدعيتني؟ لستُ متفرغًا اليوم للحديث معك! لقد سرقت بعض الوقت لأستجيب لطلبك. ماذا تريد؟ أخبرني بسرعة.
_ أوه، فواز.. نحنُ أصدقاء أليس كذلك!؟
وهو يهز رأسه بابتسامة ساخرة:
_ إي
سألهُ باستطلاعٍ شديد :
_ هل تعرف أين ذهب عمير.. لا أجده؟
أخذَ فواز يضحك، وردَّ هامسًا :
_عمير.. مات بفضلي
قال برفق بصوتٍ خافت كأنما يحدثُ نفسه :
_ عجيب ! وكيف ذلك يا فواز ؟ أليس هو صديقك العزيز؟ أليس هو الوحيد الذي تتحدث إليه وتقضي معه معظم وقتك؟ هل الناس يقتلونَ أصدقاءهم ؟
_وهل أنا فعلتها؟
_نعم فعلتها يافواز فعلتها.
صرخ يقول :
_إذن هناك من يقتلُ أصدقاءه! اترك وجع الأسئلة.
_لماذا يا فواز.. بربكَ لماذا فعلتها؟ لم أتوقعها منك البتة!
قالَ وهو يضحك :
_ رمزي يا رمزي.. لا أستطيع إخبارك سر صديقي العزيز، يؤسفني ذلك؛ سيغضبُ عمير كثيرًا.. هذا عارٌ عليّ !
قال بحذر :
_ ألستُ صديقك أيضًا؟ أعدك لن يغضب عمير أبدًا.
_ حقًا؟ ثمَّ قال بعد لحظة: لكنّه يظل سرًا.
_ آ.. طبعًا طبعاً.. أعدك سيظلُ سرًا بيننا.
_ عندما كان الجميع يبكي ويصرخُ في وجهي كنت سأخبرهم الحقيقة.. لكنّني وفي ولا أستطيع خيانة وعدي كنتُ أحتاجُ موافقته. هل كان هناك ثمة طريقة للاتصال به؟
اسمع.. كلّ مافي الأمر يا صديقي أنّ عمير هو من طلب مني ذلك..!
وهو يصرخ:
_وأنت صدقته!! صدقتهُ يا فواز !!
_ صه.. اهدأ. ليتني لم أخبرك شيئًا!
_ حسنًا أعتذر لن أكررها.. أكمل
قال غاضبًا :
_ افهم افهم..كان الموت هو الحل الوحيد ليتسنى لعمير لقاء اللّه.
قال بعد أن أحمرَّ وجهه :
_ لم أكن أتوقع منك ! أنت تعلم يا فواز أن القتل خطيئة القتل ليسَ كالموت!
قال صائحًا بعد أن نهضَ ورمى كرسيه :
_ غبي غبي
اقترب من وجه رمزي وأخفض صوته:
_ أليس اللَّه قادرًا على أن يحيي الموتى ياعزيزي؟ أم وحدي في هذا العالم الذي أفهم!
قالَ بانزعاج :
_ أخطأت الفهم هذهِ المرة!
وهو يعيد كرسيه قال حاسمًا :
_ كلّ مافي الأمر أنّ عمير كان يريد لقاء اللَّه والتحدث إليه بشأن أمرٍ ضروري. ولحسنِ حظه أنني موجود وساعدته توقعتك ستتفهم الأمر !
نظر إليه نظرة ثابتة :
_إن اللَّه أقرب إليهِ من حبلِ الوريد ! يستطيعُ سماعه من هنا.. أم وحدي في هذا العالم الذي أتحدث مع اللّه وأنا حي ؟
_ قلت لك يريدُ لقاءه.. لا التحدث معه فقط! كم مرة سأعيد هذا. (بعد أن عاود الجلوس على الكرسي)
قال بصوت ضعيف :
_ بالمناسبة هو غاضب منكم ولن يقابله.
_ بلى سيقابله... لأن عمير عندما يصل إلى السماء سيطلب من اللَّه التحدث إليه، سيخبره لماذا هو طلب مني قتله وسيغفر له.. أليس هو الغفار!
_ يا فواز.. لن يستطيع أحد لقاء اللَّه إلا أهل الجنة وهذا بعد قيام الساعة!
_ ستظلُّ غبيًا إلى أن تموت! ما الجدوى من الموت إذا كان الأمرُ كذلك؟ ثمّ إنَّ عمير سيظل واقفًا حتى يؤذن له بلقائه.
_ لا حول ولا قوة إلا باللَّه.. حسنًا وماهو الموضوع الذي يريد عمير التحدث بهِ مع اللَّه ؟
قال مبتسمًا بصوت خافت :
_ هو سؤالٌ يريدُ أن يسأله.. كانَ يسأل اللّه كثيرًا عندما كانَ هنا لكنهُ لم يحصل على إجابة لذلك قرر الذهاب إليه.
_ وماهو هذا السؤال؟
_ كان يفكر بقتل أحدهم.. لكنني أخبرتهُ أنه يجب عليه أن يستأذنَ اللَّه أولاً ؛ حتى لا يغضب منه!
وهو يضعُ يدهُ على جبينه:
_ اللهم صبرك... وماذا بعد؟
قال برفق وهدوء :
_ وبعدها طلب مني أن أخنقه حتى يذهب إلى اللَّه!
قال بلهجةِ عتب :
_ وأنت لماذا لم تستأذن اللَّه.. ألم تخف أن يغضب منك!
_لم أكن خائفًا.. لأنّ عمير قال سيخرجني من الموضوع.
قال مسرعًا :
_ أشعر بالدوار.. سأجن. وماذا استفدتم الآن؟ هو مات ولم يمت من يريد قتله!
_ صبرك، سيعود لا تقلق.. وإن لم يستطع ستصلني رسالة فإن وافق اللَّه قتلتهُ أنا !
صاح يقول :
_ ومن هذا الذي يريد قتله..؟
قال هامسًا:
_ ليتسع صدرك.. كان يريدُ قتلك أنت! لأنكَ الرجلُ الوحيد الذي يقولُ له : ستعود إلى منزلكَ قريبًا !
وهو يصرخ ويتصببُ عرقًا:
_ تعالوا وخذوا فواز من هنا.. أوجهزوا لي مكان عمير !