"عبدون" أيقونة الفن اليمني

          "عيدروس عبدون" اسم غير عابر في زمن عابر أيقونة رائعة حفرت لها في القلوب اسمًا ورسمًا ، واستوطنت الأرواح وغاصت عميقاً في الأرض والإنسان طيبةً ومحبةً.. وعطاء اقصد عيدروس عبدون.. ولا اقصد سواه..فمن سواه هذا إلا أن يكون هو بعينه - بشحمه ولحمه - الفنان عيدروس عبدون.. الإنسان الفنان.

    أتوقع انك ما راح تزعلنا وتقول من هو هذا الفنان "شعني باخذ بخاطري منك".. اقولها بذات لهجة ابن عبدون اللحجية معقول يعني ما شي تعرف ابن لحج الخضيرة، تقريبا في عام 2017م عرفته -معرفة حديثة العهد كما ترون - في عداد السنوات ، لكنها طويلة العهد بعمق المحبة وجذور الوفاء، يومها جاءني إلى مكتبي في مؤسسة السرطان بعدن ، وانا لم ازل في بداية مشواري أتلمس مواطن خطواتي الأولى، واقول : "يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم"، كانت زيارة عابرة له، لكنها تحولت إلى صداقة دائمة، وغير عابرة، كان الغرض من زيارته لمكتبي متابعة شئون مريض بالسرطان، وما عدت أتذكر جيداً تفاصيل تلك الزيارة وهوية ذلك المريض، لكن زيارات أخرى ولقاءات عديدة تكررت أعادت تذكيري بالرجل وأنه نذر نفسه لمساعدة المرضى والمحتاجين وذوي الاعاقات.

    الرجل رغم مكانته الفنية وحضوره الإجتماعي - تعرفه محافظة لحج ومدينته الحوطة بيتاً بيتا وزغطًا زغطًا ، وتحيطه بالحب والإجلال والتقدير - وبرغم مشاغله الكثيرة إلا أن جزءًا كبيراً من وقته يقتطعه في منفعة الآخرين وتقديم الخير لمن يحتاجه.

    في اليوم الواحد تراه يتنقل في اكثر من جهة ومؤسسة متأبطاً عددًا من الملفات التي يحتاج اصحابها لمد يد العون، وأحياناً تجده في مستشفى ابن خلدون بمدينة الحوطة / لحج، وفجأة تراه في مستشفى الجمهورية بخور مكسر أو مستشفى الصداقة بالشيخ عثمان من محافظة عدن يروح مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل ثم مكتب المتقاعدين أو البريد يدق باب بعض المؤسسات أو الجمعيات الخيرية يطلب الخير لغيره في هذه التحركات تجده ممسكاً بيد (صاحب الحاجة) لا يفلتها من يده، بيد يمسك بها ملفات، واليد الاخرى يمسك بالمريض وصاحب الحاجة.

   إذا رأيت أحدهم هنا أو هناك بذات المواصفات المتقدمة أعلاه فتقدم اليه واحضنه وقبل رأسه فإنه صاحبك عيدروس عبدون وجه بمذاق الشيكولاته وقلب بنقاء الفل اللحجي الشذي وروح حلوة لذيذة بطعم المقرمش اللحجي بلون المحبة تتلون، يحمل ذات جينات تربة أرضه وناسه وشمسها القوية هو فنان كبير يشار له بالبنان وهو مثقف بوزن ثقيل وهو قارئ جيد، إنسان بسيط سهل التعامل معه، بالغ التواضع، لا يرد احدًا، خجول جدًا جدًا جدًا بما لا تتصوره حتى لربما انسحب من مجاله - الفن - وميدانه وعطل مصالحه ، كي يسعى خلف مريض أو مساعدة يتيم أو السعي في خدمة أرملة أكثر من هذا الذي أقوله وقد لا تصدقه فان الرجل تراه - حتى - وهو في مجال عطائه الفني وابداعه يختار المساحات التي يقدم الخير من خلالها للآخرين عشرات الأعمال الفنية التي قام بها لصالح مرضى السرطان والأيتام والمكفوفين والصم والبكم وأطفال التوحد واطفال الشوارع .. ولافتات اخرى عديدة "كدا زيما اقولكم" .. لم اخترع حرفاً واحداً من عندي.

   وانا احد المستفيدين من الرجل والمنتفعين بخدماته فبعد أن توطدت علاقتي به - اقصد بعيدروس عبدون - وبدلا من أن يستنفع بي وانا يومها - مدير المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان / مكتب عدن - بدلا من ذلك تحولت من نافع الى مستنفع حيث كان عيدروس هو دليلي إلى محافظة لحج، دليلي إلى محافظها وإلى الوكلاء وإلى النواب وإلى المدراء وإلى المؤسسات وإلى الجمعيات وإلى وإلى...الخ الخ، كان البوابة الرئيسية لي شخصياً لمعرفة لحج والغوص في تفاصيلها الصغيرة.

   اعترف هنا انني ما استطعت - ولن أستطيع - ان ارد الوفاء بالوفاء والعطاء بمثله فيكفيني ان اكشف الآن أمامكم معترفاً خجلاً أن هذه التناولة كان مقدراً لها ومفترضاً أن تكتب قبل اكثر من شهر فخانتني قواي المزاجية والقلمية وهدوء بالي كي أتمها وهو - كما تنظرون - أضعف الإيمان..وبعد / واذ انني اكتب هذه - التحية المتأخرة - بين يدي هذا العنوان الشامخ وهذه القامة العالية الفنان الإنسان : عيدروس عبدون .. فانني اسمح لنفسي واتجاوز الرجل المؤدب - حتى لو أخذ بخاطره مني - كي أطلق مناشدة خاصة اتوجه بها للرجل الأول في محافظة لحج وابنها البار الصديق العزيز اللواء الركن أحمد عبدالله التركي محافظ محافظة لحج وللأخ الأمين العام للمحافظة عوض بن عوض الصلاحي ولصديقي العزيز اللواء الركن صالح أحمد البكري وكيل المحافظة وللأخوة في المجلس الانتقالي بالمحافظة ، واناشد وزير الإعلام والثقافة والسياحة الأخ معمر الارياني ، ومديرا صندوق التراث والتنمية الثقافية في كل من محافظتي لحج / وعدن للالتفات إلى الرجل واعطاءه بعض حقه الذي يستحقه كي يسافر وزوجه للعلاج في خارج الوطن.

   لا نتقدم بمناشدتنا للتسول والاستجداء، والرجل أكبر من ذلك وأعلى - ولكننا نطلب_ موقفا رجولياً مسؤولاً لتقدير عطاء الرجل طوال كل هذه السنوات يا لحوج - حبايب قلوبنا أهل لحج - ستكون وصمة عار بحقكم جميعاً ان يخذل هذا الرجل الإنسان الذي خدم لحج - لحج الأرض والإنسان - وخدم كل الوطن ، بأحاسيسه وأعصابه وكل مشاعره وقدم للحج "عاصمة الفن والثقافة والإبداع" عصارة جهده ووقته وصحته.

   عيدروس عبدون هو سفير الوطن إلى لحج وسفير لحج إلى كل الوطن وطني الأكبر.. جميعنا مدينون للرجل وفي اعناقنا دين مستحق السداد وخير الناس من أدى دينه وسدد فواتيره اتمنى أن تصل رسالتي لمن يهمه الأمر يعطيك الف عافيه صديقي الرائع ، ويرزقك الذرية الصالحة.

                               عادل سعيد بنسعيد