دوَن الحكاية/ صالح با زياد
في حقبة الزمن الجميل لحضرموت، برزت بعض الأسماء التي تلألأت في سماء الإعلام اليمني، ومن أبرزها يطل علينا عبدالعزيز صالح بن ثعلب المعروف ب " عزيز الثعالبي"، الذي وُلد في المكلا عام 1945م، وبدأ مشواره في الصحافة محررًا في صحيفة الطليعة عام 1959م، ثم نجح لكي يكون أول مراسلًا ومحررًا لصحيفة 14 أكتوبر في حضرموت.
أسهم في تأسيس القسم الرياضي بإذاعة المكلا عام 1968م، عبر برنامجه الشهير “المجلة الرياضية” الذي استمر لأكثر من خمسين عامًا، ليصبح أحد أبرز الأصوات التي وثّقت الحركة الرياضية والفنية في حضرموت واليمن.
تميّز الثعالبي عزيز بكتاباته التي جمعت بين الصدق والإنسانية والتوثيق العميق، وترك إرثًا إعلاميًا متنوعًا بين الصحافة المكتوبة والإذاعة والبحث التاريخي، حيث لم يكن مجرّد ناقلًا للأخبار، بل شاهدًا على تاريخ حضرموت الفني والرياضي والثقافي، وراويًا صادقًا لمسيرة مجتمعٍ عاش فيه بكل حب ووفاء.
°وصية الحافظ للتاريخ
كشف شقيقه طارق بن ثعلب عن وصية الراحل التي حملت عمق إحساسه بالمسؤولية تجاه المعرفة والتاريخ، إذ أوصى بإهداء جميع ما وثّقه من صحفٍ ومقالاتٍ وأرشيفات إلى المكتبة السلطانية؛ تقديرًا لدورها في حفظ التراث المحلي.
وأوضح طارق أن شقيقه كان يؤمن بأن التوثيق ليس مهنة، بل أمانة تُحمل عبر الأجيال، مؤكّدًا أن أرشيفه الصحفي يضاهي في دقته وتنظيمه أرشيفات المؤسسات الرسمية، في حين أدرك الثعالبي أن الكلمة المكتوبة لا تموت، بل تُخلّد ما عايشه من أحداث وتحولات على مدى عقودٍ طويلة.
مازال صوته في ذاكرتي، هكذا يصف الكاتب والصحفي كمال سالم الحامد رفيق دربه الراحل "عزيز" بأنه ذاكرة حضرموت الصحفية، قائلاً إنه ظل حتى سنواته الأخيرة وفيًّا للكلمة ولرسالته الإعلامية.
وأضاف الحامد أن الثعالبي كان مدرسةً قائمة بذاتها في الإخلاص والصدق المهني، فقد رافقته في زيارات ميدانية إلى الغيل والشحر وسيئون ودوعن وصنعاء، وكان دائم الحضور في كل مناسبة فكرية وثقافية، كما روى الحامد أن الثعالبي لم يكن يكتب لمجرد النشر، بل كان يكتب ليحيا التاريخ من جديد، إذ جمع بين روح الفنان ودقة المؤرخ، فوثّق الرياضة والفن في حضرموت وكأنّه يسجّل حكاية المكان والإنسان معًا.
°ذاكرة وطن ومؤرخ حضرموت امتدت مسيرة الثعالبي لأكثر من نصف قرن، عمل خلالها على توثيق تاريخ الرياضة والفن في حضرموت واليمن، حتى صار مرجعًا لكل باحث وإعلامي، دوّن بأقلامه تاريخ البطولات الأولى لكرة القدم في المكلا، وسجّل بأشرطته أولى الحوارات الإذاعية مع رموز الفن والأدب في المحافظة.
يُعد أول من جمع بين الصِحافة والإذاعة والمسرح في آنٍ واحد، فكتب في 14 أكتوبر، وقدّم المجلة الرياضية، وساهم في تأسيس جمعية فناني حضرموت، مؤمنًا بأن الإعلام لا يكتمل إلا حين يكون جسرًا يربط الثقافة بالرياضة والفن.
وبفضل عطائه، لُقّب بـ"شيخ الإعلاميين والصحفيين"؛ لأنه لم يكن شاهدًا على تاريخ حضرموت فحسب، بل أحد صانعيه، بقي صوته في أثير المكلا أكثر من خمسين عامًا، شاهداً على نهضة مجتمع، ومُلهمًا لأجيالٍ لا تزال تذكره بعبارته الشهيرة: “الكلمة أمانة، ومن لا يصنها لا يستحق أن ينطقها.”
°الصحفي الذي لم يخف من قول الحقيقة
يصف الكاتب والصحفي محمد عمر بحاح، زميله (الثعالبي) الذي جايله لعقود بأنه قلمٌ نبيل لم يكتب إلّا ما يليق بالحقيقة، ويمضي بالقول إن الثعالبي كان يبحث عن الأخبار بروح العاشق، يكتبها بشغف لا يخفت رغم مرور السنين.
ويضيف: من يعرف عزيز يدرك أنه لم يرَ في الصحافة وظيفة، بل رسالة للصدق والجمال، حيث ظلّ يحمل ابتسامته وتواضعه أينما حلّ، عاش للناس، وابتعد عن الصراعات، وكان شاهدًا أمينًا على زمنٍ من التحولات. ويوكد بحاح أن اختيار الثعالبي لاسمه المستعار «عزيز الثعالبي» لم يكن صدفة، بل اقتداءً بالمفكر والمناضل التونسي الذي حمل القلم دفاعًا عن الأمة، فكان الاسم عنوانًا للموقف والمبدأ معًا.
°بصمة في كل جيل صحفي أما الإعلامي علي سالم اليزيدي، أحد أصدقائه المقرّبين، فيصف الثعالبي بأنه الأب الروحي لجيل الإعلاميين في حضرموت، قائلاً إن الراحل لم يبخل يومًا بنصيحة أو مساعدة، وكان يرى أن نجاح الآخرين امتدادًا لرحلته الخاصة، حيث أن "الثعالبي" كان يمتلك ذاكرة استثنائية تحفظ أسماء الرياضيين والفنانين والتواريخ بدقة مذهلة، وكأنه سجلٌ حيّ للحركة الثقافية والرياضية. وأضاف اليزيدي: كان عزيز يعيش الكلمة قبل أن يكتبها، ويسمع النغمة قبل أن يصفها، ويمارس الصحافة كفنٍ من فنون العطاء الإنساني. إرث لا يموت برحيل عبدالعزيز بن ثعلب، فقدت حضرموت واليمن واحدًا من أصدق الأصوات التي جمعت بين الفن والصحافة والتاريخ، رجلًا لم يساوم على الكلمة، ولم يبحث عن مجدٍ شخصي، بل عن أثرٍ يُنير للآخرين طريق الوعي.
من أبرز أعماله، برنامجه الإذاعي الشهير "المجلة الرياضية" الذي استمر أكثر من خمسين عامًا، وثق فيه عصر الرياضة الأهلية في حضرموت، والتي ستظل شاهدة على مسيرةٍ حافلة بالإبداع والإخلاص.
ترك وراءه مدرسة في الإخلاص، وثقافة في الالتزام المهني، وسيرة تختصر معنى أن تكون الصحافة رسالة وليست مهنة، لقد كان رمزًا لجيلٍ صنع مجده بالحبر والميكروفون، وكتب تاريخه بصوتٍ سيظل حيًا في إذاعة المكلا، وفي كل ذاكرةٍ عرفت قيمة الكلمة الحرة.
°مشهد مهيب أكتظ بالصحفيين رحل شيخ الإعلاميين والصحفيين الحضارمة عبدالعزيز صالح بن ثعلب "عزيز الثعالبي" في الحادي والعشرين من أكتوبر عام 2021م، بعد رحلة كفاح طويلة امتدت لأكثر من نصف قرن، وقد أُقيمت عليه صلاة الجنازة في مسجد الروضة بمدينة المكلا عقب صلاة العصر، في مشهدٍ مهيبٍ اكتظ بالحضور من الصحفيين والإعلاميين والفنانين والمثقفين الذين جاؤوا من مختلف مناطق حضرموت لتوديعه، وسط أجواءٍ من الحزن والاحترام العميق لمسيرته المهنية والإنسانية، ودُفن جثمانه الطاهر في مقبرة فوه القديمة، حيث رافقه زملاؤه وأصدقاؤه ومحبوه في مشهدٍ مؤثرٍ عبّر عن المكانة الكبيرة التي احتلها في قلوبهم، وعن تقدير الوسط الإعلامي والثقافي لهذه القامة التي رحلت جسدًا وبقيت أثرًا خالدًا في ذاكرة حضرموت واليمن بأكملها.
- استعادة شرعية هادي وتمكين رئيس الوزراء… خطوة لإنقاذ الدولة وإعادة ضبط المسار
- المشير الركن عبدربه منصور هادي يعزي اللواء الركن عبدالله علي عليوه في وفاة شقيقه
- المستشار ياسين مكاوى يرسل نداءً تحذيرياً صادقاً لمجلس القيادة الرئاسى
- منطقة طمحان تشهد حفل تنصيب الشيخ أمين بن سرور بن سويدان شيخًا لقبيلة آل ماضي الهلالية