كان أداء الإعلام في العالم العربي سيّئا خلال السنوات الأخيرة. ازداد سوءا حين صار بعضه يحارب بعضه الآخر عن طريق الترويج للطائفية وتبني وجهة النظر التي تحطّ من الشأن العربي. إنه إعلام مخترق كما هي الحياة العربية.
هناك الكثير من الكذب الذي لم يبرأ منه ذلك الإعلام بالرغم من أن الهزائم التي سبق وأن مني بها العرب قد كشفته وأصبح شبح المرحوم أحمد سعيد يطارد الإعلاميين العرب ويشاركهم مجالسهم.
غير أن المذيع المصري كان قد خدعنا وضللنا تحت شعار الحفاظ على المعنويات في مواجهة حرب لم تكن متكافئة. اليوم يقوم الإعلام العربي في جزء عظيم منه بخداع جمهوره من أجل تدمير معنوياته في حرب يخوضها العرب من أجل أن ينفضوا عنهم غبار الماضي ويرتبوا أوضاعهم في سياق رؤية معاصرة للحياة.
ليس المطلوب الكذب من أجل رفع المعنويات غير أن الكذب ليس مطلوبا أيضا من أجل إخفاء الحقيقة.
هناك اليوم إعلام عربي يعمل بشكل صريح في خدمة جهات ودول سعت وتسعى إلى فرض مشاريعها على العالم العربي تماهيا مع التباس ما جرى بعد ما سمّي بالربيع العربي. في الأوضاع الطبيعية التي حُرمنا منها يمكن أن يُصنف ذلك الإعلام بأنه إعلام عميل، ذلك لأنه يخدم أطرافا أجنبية تحمل من روح الكراهية للعرب ما يجعل منها عدوا صريحا.
فما معنى أن تدافع صحف وقنوات فضائية عن هيمنة النظام الإيراني على عدد من الدول العربية ومصادرة قرارها الوطني المستقل؟ هي الخيانة التي تنص عليها القوانين في كل الدول التي تحترم نفسها.
الأمر يحتاج إلى الكثير من التوضيح. فإيران مسؤولة عن الحرب في اليمن وهو ما يعترف به زعماء حرسها الثوري. هناك مؤتمر عُقد مؤخرا في طهران من أجل نصرة الحوثيين وهم الطرف الذي أشعل تلك الحرب.
إيران مسؤولة عما بلغه العراق من تدهور على المستويات الإنسانية كافة. فهي التي ترعى حكومته الغارقة في صفقات فسادها الذي أدى إلى تدمير أي إمكانية لإنقاذ الشعب من الفقر والجهل والمرض. لقد تحول العراق بسبب النفوذ الإيراني إلى مختبر لتجريب كل أنواع المخدرات الرخيصة.
وأخيرا فإن إيران مسؤولة عن انهيار الحياة السياسية في لبنان وجعله يدور في فلك ميليشيا مسلحة تدعمها بالمال والسلاح. كل هذا ينحني أمامه إعلام عربي ليصنع من قاسم سليماني صورة للبطل المنقذ الذي يمكن أن تستلهم هوليوود سيرته في أفلامها القادمة.
في السياق نفسه فإن هناك إعلاما عربيا يهاجم المملكة العربية السعودية لأنها قررت أن تفك ارتباطها بماضيها وتسير إلى مستقبل يليق بها باعتبارها دولة كبيرة، لديها من المسؤوليات الجسام ما يفرض عليها أن تكون حاضرة بقوة التنوير في كل مكان من العالم العربي.
وهنا في ذلك المجال بالضبط يحق للسعودية ما لا يحق لإيران. لا مجال للمقارنة بين الاثنين. الطبيعي أن تكون السعودية موجودة في اليمن ولبنان والعراق وسوريا.
فالسعودية ليست كإيران ترغب في احتلال تلك الدول. ليس لدى سعودية اليوم مشروع ديني أو مذهبي. والسعودية أيضا ليست لديها ميليشيات مسلحة فهي لا تملك مشروعا توسعيا. مشروعها الحقيقي يكمن في إنقاذ المنطقة من فكر ووجود الجماعات الظلامية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين. وقبل وبعد كل شيء فإن السعودية بلد عربي.
في تلك النقطة الجوهرية كان الإعلام العربي ضعيفا، بل ودون المستوى.
المشروع التنويري السعودي كبير وهو لذلك في حاجة إلى إعلام يكون في مستواه في مواجهة اختراق إعلامي، إيراني وإخواني مزدوج، هو في حقيقته الأكبر من نوعه في تاريخ الخيانة الإعلامية. هناك خيانة إعلامية تمولها دول وجماعات ضغط عربية وعالمية صارت تحجب من خلال العناوين الصغيرة التي هي بمثابة فقاعات إعلامية، كان الغرض منها تشويه سمعة السعودية حقيقة ذلك المشروع.
هل تُلام السعودية لأنها لم تستعد لتلك الحرب؟
شيء من ذلك يمكن أن يكون حقيقيا. فالمملكة العربية السعودية التي فاجأت نفسها والعالم بتغيرها كان عليها أن تستعد إعلاميا لخوض غمار حرب لا تقل أهمية عن حربها ضد التطرف والتشدد، هي الحرب الإعلامية.
ولأن الصراع لن يكون مؤقتا أو عابرا فقد كانت السعودية في حاجة إلى إعلام طويل النفس، سريع الإيقاع، مطّلع على حقائق التحول بكل تفاصيلها، مسهبا في توضيح ما يجري من غير أن يغرق في الإنشاء المجازي.
كان من الممكن أن يولد الإعلام العربي الذي لا يكذب لأول مرة في حياته لأنه يستند إلى تجربة بناء إنساني فعلي لا تشوبها الشعارات العقائدية التي لطالما ضللتنا. إنه إعلام يقاوم بقوة الحقيقة
ذلك الإعلام القائم على الولاء الطائفي الأعمى الذي يروج لمغامرة الفشل الإيراني.
أعتقد أن هناك إمكانية لولادة ذلك الإعلام الناجح في ظل نجاح المشروع التنويري العربي الذي أنا على يقين من أنه سيصمد أمام الحملات الإعلامية الإيرانية والإخوانية التي ستتهاوى مع افتضاح رثاثة وتخلف وظلامية وفقر وعدوانية المشروع الذي تدافع عنه.
فاروق يوسف
كاتب عراقي