كيف انتقل «تمثال الحرية» إلى نيويورك بدلا من التواجد في مدخل قناة السويس؟

ناقشت آية عبد العاطي، يوم الأحد، عبر برنامج “صندوق الدنيا”، يوم الأحد، حكاية الهوية المصرية وكيفية التوحد على فكرة قومية والدفاع عنها ببسالة مثل حفر قناة السويس، وجلب تمثال نهضة مصر.

 

وقالت آية في مستهلا لحلقة: “لدينا تاريخ يعمل أكثر من بلد وفيه بلاد لو ليس لديها تاريخ تعمل البدع لعمل متاحف تبرز أي هوية لها، وثيقة اليوم هي ببساطة كارنيه عضوية لجمعية اسمها (جمعية القرش)، لما نبحث خلف الوثيقة سنذهب لمراحل كثيرة، كارنيه مكتوب عليه المتطوع محمد لطفي السيد، ومهنته يدرس في كلية التجارة”.

مشروع القرش

 

وأضافت: “زمان قبل تعقد الحياة كانت الحلول الجماعية هي الملجأ الآمن والحقيقي للخروج من الأزمات.. خصوصا إنك كنت تواجه محتل واضح صريح، فكان الناس فعلا على قلب رجل واحد.. فكان طبيعي قدام الأزمات الاقتصادية.. تلاقي الناس تتكاتف، والبحث عن الزعامة بين الشباب كان لأهداف قوية ولأغراض المحافظة على الهوية والاستقلال في أوائل الثلاثينات، ومن ضمن شباب كثر داخلهم روح الحماس والنضال.. كان الشاب أحمد حسين وهو طالب جامعي فكر في مشروع وطني اسمه (مشروع القرش) بهدف تحقيق الاستقلال الوطني من ناحية الصناعة”.

 

وتابعت: “اللي يهمنا في جمعية القرش وهدفها كان صناعة الطرابيش، أو بمعني أكثر حماس زي ما اتسمت وقتها معركة الطرابيش، مصر كنت تستورد الطرابيش لفترة طويلة جدا.. لأنها طبعا كانت عنصر من عناصر الزي الرسمي.. لحد ما محمد علي عمل مصنع لتصنيع الطرابيش.. ضمن مجموعة مصانع في إطار النهضة الصناعية، لكن طبعا هذا لم يكن على هوى الغرب.. وكانت ضمن معاهدة لندن 1840 الحد من توسعات محمد علي.. النتيجة ضغوط كثيرة وصلتنا إن المصانع اتقفلت ورجعنا نستورد تاني، لكن يفضل السؤال إيه اللي يخلي هدف جمعية القرش، إننا نعمل مصنع طرابيش؟ باختصار عشان الرمز”.

 

وأردفت: “الرمز في الطربوش كان التمسك بهوية وطنية.. من هنا بتيجي التفاصيل اللي بتكون الهوية.. الملابس والأكل والأجواء والمناسبات والعادات، ودائما في مكان مطمع زي مصر على مر العصور.. فيه هويات ثانية بتحاول طول الوقت تفرض نفسها.. ومن هنا ظهرت القبعة أو البرنيطة عشان تكون بديل للطربوش.. وفعلا كتاب كثر شافوا إن من اتباع الحداثة إننا نتبع كل ما هو جديد ونادوا بالتخلص من الطربوش في مقابل البرنيطة وكانت الحجة إن الطربوش في حاله تمسك بالحكم التركي، وقامت المعركة دي، ومنها خرجت وانتصرت جمعية القرش واللي زاد قوتها تدعيم الحكومة، حكومة صدقي باشا، ومنحتها كل التسهيلات عشان المواطنين يعملوا الكارنيهات.. ومع ذلك ظهر ناس ضد حزب الوفد، وكانوا بيقولوا في قضايا أهم وهي محاربة الاحتلال.. وفي هذا الوقت بدأ الناس أنصار الطربوش عشان يدللوا على قومية الطربوش، عملو طرابيش لونها أخضر بلون علم مصر وقتها، وبدأ آلاف المتطوعين في جميع أنحاء مصر يشتركوا في مشروع القرش.. ويتعمل حفلات وحملات للمشروع، لدرجة إن الشاعر أحمد شوقي كتب شعر في المشروع، كله ماشي في يده دفتر المشروع.. حملة مليانة حماس ووطنية.. وحصيلة السنة الأولى كانت 17 ألف جنيه، والثانية 13 ألفا، مبالغ ضخمة جدا بمعايير الثلاثينات نتيجة المبالغ دي اتعمل مصنع في العباسية في شارع مصنع الطرابيش، ومن هنا سننتقل لحكاية فيها نفس الإحساس بالحماس والوطنية، اللي بتؤكد إننا لما نكون ناس واعية.. بنقدر نقدر قيمة.. الصور الذهنية وأهميتها زي ما الطربوش اتعملة جمعية القرش”.

 

تمثال نهضة مصر

 

وأردفت آية: “من التماثيل المهمة اللي لها حكاية جميلة تمثال نهضة مصر في الجيزة، الفكرة بدأت عند المثال محمود مختار.. في الفترة اللي كانت مصر فيها تطالب بالاستقلال من الاحتلال الإنجليزي.. كان كل أصحاب مجال بيقوموا بدور، وطبعا الفنانين دائما لهم دور اللي بيتقال عنه القوة الناعمة إزاي تحارب وتقاوم بالفن.. ده اللي جعل المثال محمود مختار يستخدم سلاحه اللي هو الفن في المشاركة في التعبير عن رأيه فنحت تمثال عبارة عن فلاحة مصرية باللبس الفلاحي.. واقفه مستقيمة بترمز لمصر وبجوارها تمثال أبو الهول فارد نفسه للأمام كتعبير عن النهوض.. وتعبير إن مصر متمسكه بحضارتها وهويتها.. وعشان كده أطلق عليه نهضة مصر، المهم خلص التمثال وعرضه في معرض الفنون الجميلة السنوي في باريس.. التمثال أبهر الناس في المعرض المحكمين والزوار أبهرهم النحت الرائع والرمزية المعبرة”.

 

واستطردت: “كان سعد زغلول ومعه مجموعة من المصريين رايحين باريس لكي يحضروا مؤتمر الصلح لمناقشة الشأن المصري، وراحوا زاروا المعرض وشاهدوا التمثال، كل أعضاء الفريق اللي كان مسافر مع سعد تحمسوا جدا للتمثال وشافوا إنه المفروض يكون في مصر وإنه أكبر رمز سيعيش ويعبر عن ثورة المصريين وهويتهم.. وبدأوا يكتبوا في الجرائد للمطالبة بتواجد تمثال نهضة مصر في بلده وتبنت الجرائد حملة للمطالبة باكتتاب شعبي لإقامة التمثال في محطة مصر عشان كل اللي ينزل القاهرة أول حاجه يراها التمثال الرمز نهضة مصر.. وانتشرت دعوة الاكتتاب بعنوان (نهضة مصر.. دعوة للأمة المصرية) حاجة كده مثلت مشروع قومي والدعوة دي اتقبلت باستجابة واسعه جدا وتبرع المصريين من كل الطبقات بالمملاليم والقروش والجنيهات الكل كان مؤمنا بالتمثال كتعبير عن إرادة الأمة وثورتها، ووافقت الحكومة على الترخيص بإقامة التمثال من خلال أموال التبرعات اللي وصلت إلى 6500 جنيه والحكومة تكفلت بباقي الفلوس.. وفي 20 مايو 1928 أقيمت حفلة كبيرة جدا في ميدان باب الحديد (رمسيس حاليا) لإزاحة الستار عن التمثال”.

 

تمثال الحرية

 

وانتقلت آية للحديث عن “تمثال الحرية” في أمريكا، قائلة: “معلومة إن تمثال الحرية المتواجد الآن في أمريكا كان سيتواجد مصر وخصوصا في قناة السويس معلومة ممكن يكون ناس كثيرة تعرفها.. الحكاية بدأت من أكثر من 200 سنة.. لما أمريكا وفرنسا كانت بينهم علاقات ودودة جدا بيحكمها موقف ما.. اللي هو مساندة فرنسا لأمريكا في نضالها ضد بريطانيا.. لأن كان في وضع سيادة من بريطانيا على أمريكا، كانت فرنسا متعاطفه جدا مع قضية أمريكا لدرجة إنهم أرسلوا جنود فرنسيين عشان يحاربوا في سبيل استقلال أمريكا، وبالفعل تستقل أمريكا بعد صولات وجولات عام 1776، وفي مئوية الاستقلال يأتي المفكر الفرنسي أدور دي لابولاي، ويفكر في عمل رمز لأمريكا صديقة العمر والكفاح، كان من ضمن الموجودين نحات فرنسي عامل تصميم لتمثال، تحمس كل المتواجدين للفكرة.. ليطلق عليه تمثال الحرية.. لكن تظهر مشكلة التكاليف، وعملوا الاتحاد الفرنسي الأمريكي لتمويل المشروع”.

 

وأشارت: “لكن من الواضح إن الاتحاد لم يكن مؤثرا بما يكفي، الاحتفال المئوي قرب (مئوية الاستقلال) والتمثال لم يكن انتهى منه غير اليد اليمنى، ومن فرط الحماسة قالوا إحنا سنرسل لهم اليد اليمنى فقط، وتعرض في معرض لحد ما نكمل باقي التمثال، وعرض فعلا في معرض بفلاديلفيا.. لكن الأمر لم يرضي بالطبع القائمين على المعرض، فاقترحوا حد يتحمل تكاليف التمثال وحد يتحمل تكاليف قاعدة التمثال.. ويتم عمل تبرعات وضرائب وحملات دعائية عشان يتم استكمال التمثال.. فرنسا بالفعل خلصوا التمثال، لكن أمريكا مش عارفة تعمل القاعدة في الوقت اللي فرنسا فككت التمثال إلى 350 قطعة في 214 صندوقا وشحنته على أمريكا، التمثال ظل سنة كاملة في الصناديق وهما مش عارفين يعملوا القاعدة، الصحافة تدخلت وعملت حملات تبرع شعبي لحد ما اتعملت القاعدة، وتم تنصيب التمثال وأصبح تمثال الحرية الرمز الأمريكي”.

 

وشددت: “لكن قبل هذه القصة كلها بسنوات والتمثال لسه خصوط على ورق في يد النحات الفرنسي فريدريك أوجست، كانت فكرته إنسانية بحتة بتجسد الحرية والحضارة على شكل سيدة تمسك بشعلة بتنور بيها الدنيا وكان الأقرب لقلبه إن التصميم يطل على موقع ساحلي لأن التاج اللي فوق رأس الست به 7 سنون ترمز للبحار السبعة اللي بتطل عليها قارات العالم، وهذا اللي جعله أول حد يفكر يذهب له هو الخديوي إسماعيل في مصر.. ويعرض عليه أن ينصب التمثال في مدخل القناة لكي يكون رمزا لحرية الملاحة أمام العالم باعتبار إن التمثال يمثل مصر اللي بتحمل شعله الحرية، لكن الخديوي إسماعيل اعتذر له وعبر عن تقديره.. لأنه سأله عن التكلفة قال له 600 ألف دولار، لأن وقتها كان صعبا يدفع هذه التكلفة كلها”.

 

شق قناة السويس

 

وتطرقت آية للحديث عن قناة السويس، قائلة: “كما ذكرنا أن الخديوي إسماعيل كان صعبا يدفع الأموال في تمثال الحرية، لماذا؟ لأن الفلوس اتصرفت في شق قناة السويس، اسم القناة دائما مرتبط بالخديوي إسماعيل لكن فعليا هو اللي أخذ كل الرصيد واللقطة النهائية.. لكن فعليا اللي وافق على فكرة القناة المقدمة من ديليسبس كان الوالي سعيد ولكنه توفى، فماذا كانت الفكرة اللي طرحها ديليسبس، باختصار هي فكرة قناة لربط البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، قناة تفصل بين آسيا وإفريقيا.. قناة بتسمح بمرور السفن.. قناة ستحقق نقلة في عالم التجارة العالمية للعالم كان في محاولات من أيام الفراعنة لإيجاد قناة ربط بتأخذ من النيل وتفتح على البحر الأحمر، التنفييذ الفعلي كان من 1859 إلى 1869 القناة اللي حرفيا ودون أي مبالغة غيرت أطماع وأهداف العالم”.

 

وتابعت: “لما بدأ الحفر تحت مظلة شركة قناة السويس للملاحة العالمية، لم يكن هناك رضا من بريطانيا ولا موافقة من الدولة العثمانية.. ولكن ديليسبس استخدم نظرية الأمر الواقع إنه بالفعل بدأ الحفر بعمالة قليلة من المصريين.. وفيه اتفاق مع الحكومة بتوفير العمالة وقت ما تطلب بدأ التقسيم الحفر على مراحل وأماكن محددة، إنجلترا طالبت بوقف الحفر والدولة العثمانية كمان قالت إحنا مش موافقين إنتوا كده بتعملوا مستعمرة فرنسية بقيادة المهندس الفرنسي ديليسبس، الوالي سعيد أصبح في أزمة، لدرجة إنه سفن الأسطول الإنجليزي كانت متجهة لمصر لعزل سعيد، وديليسبس أصبح في وش المدفع.. وأصبح لازم سرعة التنفيذ، فطلب وأعلن عن احتياجة للعمال من كل بقاع الأرض وبالفعل حضر المصريين من كل مكان وحفروا قناة السويس، وهي قصة تكلل معنى أن المصريين لما يشعروا بعائد قوي يتوحدوا خلفه ويفدوا به حتى أرواحهم”.

 

التدوينة كيف انتقل «تمثال الحرية» إلى نيويورك بدلا من التواجد في مدخل قناة السويس؟ ظهرت أولاً على نجوم إف إم.

الأكثر زيارة