( الجاح )

                                إسماعيل مخاوي

هل تذكرين كـ مثلي النخل والجاحا

والبحرَ والموسم المزهوَّ أفراحا

هل تذكرين لياليهِ التي سَلَفت

وكم سقتنا الرضا والأُنس أقداحا

أيامهُ كيف كُنا نستلذُّ بها

ونغنمُ الروحَ والريحانَ والراحا

وحبنا الغضّ في أحضان غابتهِ

نهراً من الطُهر في أعماقها انداحا

هل تذكرين ، أنا مازلت أذكرهُ

حباً بريئاً كريم الطبع طمّاحا

لكن من أغلقوا أبوابهُ ومضوا

لم يتركوا للهوى العذري مفتاحا

هل تذكرين شموخ النخل منتصباً

يسبح الله إمساءاً وإصباحا

يحمي الحمى ويحامي عن رعيتهِ

ومن علٍ يرقبُ الساعين والساحا

يُسامر الليل والعشاق في دعـِةٍ

ماكان في العشق نمّاماً وفضّاحا

يُعانق الأُفق المفتوح منبهراً

بالبحر يعشقهُ مِلحاً وملّـاحا

النخل أوضح منّا في مشاعرهِ

إن المشاعر لا تحتاج إيضاحا

إن داعبت سعفهُ الأنسام حرّكهُ

وجدٌ وغنّى بما يلقاه أو ناحا

هل تذكرين حفيف السعف منتشياً

حال المحب إذا محبوبهُ لاحا

يهزّهُ الشوق إن همّاً وإن طرباً

حتى إذا ما رأى محبوبهُ ارتاحا

من ذا رأى الزاهد المسكين منفعلاً

من ذا رأى العاشق المجنون ممراحا

هل تذكرين الروابي الخضر طيبة

تحنو على من غدا فيها ومن راحا

والناس قد ركبوا الأمواج هائجة

وصيّروا فوقها الآمال ألواحا

وبعضهم يحسب الأيام عافية

وبعضهم يحسب الأيام أرباحا

في البر والبحر إقداماً وتضحية

تبارك الجاح صيّاداً وفلّـاحا

هل تذكرين حكايا الأمس ثائرة

تُحكى فـ تُ شجيكِ أفراحاَ واتراحا

تروي الزرانيق أمجاداً مُضيّعة

من صام منهم على عزٍّ ومن صاحا

عن كل من صلحوا فيها ومن فسدوا

طوتهم الأرض إفساداً وإصلاحا

لا يشرح النخل غير النخل في ثقة

إذ ليس يحتاج غير الله شُـرّاحا

هل تذكرين الدجى الساري على أملٍ

ما ضرّهُ كتم الأشواق أو باحا

هل تذكرين الضحى الراضي بقسمتهِ

كم حاتم عاش مثل النخل سمّاحا

كم ديكَ جنٍّ مُعنّى فيه من شجنٍ

كم وردة من غرام عطرها فاحا

كم روضة بالهوى العذري عامرةٌ

إذا تجلّت تجلّى الحب وضّاحا

هل تذكرين هوانا والصبا عبقٌ

لازال في خاطري، لازال فوّاحا

هل تذكرين غيوم الحب هاطلة

على المحبين أجساداً وأرواحا

يجنون أرزاقهم منها مناصفة

ويستلذّون إنجازاً وإنجاحا

والبحر والنخل أرزاق مقسّمة

يرضى بها الناس إعجاماً وإفصاحا

والحب كـ البحر لا تأمن غوائلهُ

إن لم تكن فيه غطّاساً وسبّاحا

يعطي ويمنح راجيهِ على قدرٍ

لازال مذ كان منّاعاً ومنّاحا

إني تذكرتُ والذكرى لها أثرٌ

كأنهُ البرق لمّاعاً ولمّاحا

ألقاكِ من بعد هذا العمر نازحة

عمّ الأسى وزمان البهجةِ انزاحا

أهذهِ أنتِ أم ذكراكِ عاصفةٌ

أم الأسى اشتدّ في الأعماق واجتاحا

في ناظريكِ يلوحُ البحر مشتعلاً

والجاح محترقاً والنخل أشباحا

هجوتُ من أجلكِ الأيام غادرة

وكنتُ من قبل للأيام مدّاحا

أبكيكِ يا فرحتي الأولى مُضرّجة

بالذكرياتِ وأبكي الحب والجاحا

الأكثر زيارة