اشتهرت مدينة " الشيخ عثمان " في عدن ببساتينها الغناء الوارفة الظلال، حيث يستروح فيها الناس .. ويزورها القادم من مناطق الجزيرة العربية .. فهنالك البساتين العامة والخاصة ؛ ذلك لِما عُرف عن الشيخ عثمان من كثرة الآبار المنتشرة فيها ، وكذلك الينابيع التي كانت تغطي تلك الواحات المغيبة عن الصورة في يومنا هذا .. ولم تشهدها غير أجيال الحقبة الذهبية.
يُشير العميد شمس الدين البكيلي في منشور له على صفحته بالفيسبوك أن حديقه " الكمسري " تمتد على مسافة 47 أكر ( الأكر acre يساوي 4,000 متر مربع ) تزدهر فيها الشجيرات المزهرة flowering shrubs وأعشاب القنا Canna العريضة الأوراق والمزهرة .. وكذلك الأشجار الباسقة الظليلة التي تعكس البرودة على المكان وسط الأعشاب _ الأرض المفروشة بالعشب الندي والمياه المتدفقة عبر قنوات تحميل تجري في كل مكان من جنبات البستان !
الوحدويون _ أهل خراب العمران
واليوم ما أن تحل في بلد من بلدان المهجر وتلتقي المهاجرين immigrants حتى يقفز إلى أفواههم: هذا السؤال : " هل بقي بستان الكمسري كما عهدناه ؟ " ... هذا البستان الذي تغنى به الشعراء ، وكان يرتاده أهالي عدن في الأعياد وأيام العُطل الرسمية لا سيما عطلة نهاية الأسبوع weekend وفي سائر أيام السنة .. ويغشاه السائح الأجنبي بأزاهيره ووروده وعشبه الظليل الطري وطرقاته المتعرجة .. وبتنوع أشجاره ( بعضها جُلب من الهند ) ومنها الأزهار البديعة يتقدمها الدفليOleander برائحته الزكية التي تعطر البستان.
شرع الوحدويون _ أهل خراب العمران .. الذين حدثنا عنهم العلامة ابن خلدون في مقدمته _ يأكلونه من الجانب الخلفي ( دار سعد ) حتى تقلصت مساحته ومن قبلهم كان الاشتراكيون القرويون قد أتوا على نصفه تحت عنوان الملاهي !
( وفي العالم حولنا مدن للملاهي لاتستحوذ على البساتين العامرة ) .
ورغم أنه البستان الوحيد الذي بقي حيا ( بين الحياة والموت ) بعد أن انطفأت البساتين الأخرى ذات الملكية الخاصة كبستان المكاوي ، وبستان خدا بخش ، وبستان بيكاجي قهوجي .... وبستان مهدي ( حديقة الحيوان _ اقدم حديقة حيوان في جزيرة العرب ) فإنه لم يستطع أن يحتفظ برونقه الكامل .
مغاني الشعب طيبا بالمغاني
بمنزلة الربيع منث الزمان
" بيت المتنبي "
هذا البستان يذكرنا ب " بستان الكرز " مسرحية تشيخوف التي حملت هذا العنوان .. وقد شرع المضاربون في الأسواق مع ظهور الطبقة البرجوازية بتحطيمه بعد شرائه وتحويله إلى فيللات ... ذلك البستان الشاعري بجلال منظره الساحر عندما يبزغ القمر ... حتى غادرته العائلة التي كانت تملكه والدموع تنساب من عيونها ... ولم يرض فيرس العجوز الذي عاش عمره في هذا البستان ولا فاريا التي تربت في كنفه ولا أمها بالتبني أن يسمحوا لضربات الفأس ان تجتث تلك القطعة الجمالية الربانية من قلوبهم حتى يغادروا المكان ! .......إنها المادية الفجة التي تقتل كل شيئ جميل في الحياة