لم تكن الطفلة ندى ابنة الأربعة عشر عاما تعلم أنها تساق إلى نهايتها عندما اصطحبها والداها لإحدى العيادات، كي تخضع لعملية ختان بإحدى قرى محافظة أسيوط جنوبي مصر.
ليست ندى أول فتاة مصرية تلقى حتفها جراء هذه الجراحة المجرّمة قانونا، لكن قصتها تعيد تسليط الضوء على هذه الظاهرة المنتشرة منذ عقود رغم جهود حكومية وحملات توعوية دينية وعلمية، وتغليظ للعقوبات.
ما يلفت النظر هنا هو أن عمّها كان أول من أبلغ السلطات بوفاتها، مما أدى إلى احتجاز الطبيب ووالديها، إلى جانب خالتها على خلفية الواقعة. وتفحص الجهات المختصة ترخيص العيادة التي أجريت فيها الجراحة، وسط تأكيدات من النيابة العامة أنها ستتصدى بكل حزم لكل من يحذو حذو المتهمين في جريمتهم البشعة.
ولا يزال كثيرون خاصة في الريف المصري يعتقدون أن الختان منصوص عليه في الشريعة الإسلامية، غير ملتفتين إلى ما قاله الأزهر ودار الإفتاء مرارا عن أن هذه العادة لا أصل لها في الدين.
بيانات إدانة
وطالب المجلس القومي للمرأة بتوقيع أقصى عقوبة على كل مَن شارك "في هذه الجريمة البشعة بحق طفلة بريئة حتى يكون عبرة لكل من تسوّل له نفسه ارتكاب هذه الجرائم".
ووجّهت مايا مرسى، أمين عام المجلس القومي للمرأة، رسالة إلى قلب وعقل كل أم وأب وجدة مازالوا يصرّون على ارتكاب هذا الجُرم بحق بناتهم مفادها: "العفة والطهارة لا تتحقق بالختان ولكن بحسن التربية ومكارم الأخلاق".
بينما أدانت عزة العشماوي أمين عام المجلس القومي للأمومة والطفولة الحادث باعتباره "انتهاكا صارخا لحقوق الطفل ومخالفة لأحكام قانون الطفل".
وأكدت العشماوي أن المجلس يتخذ خطوات ملموسة وجادة نحو إنهاء العنف ضد الأطفال من خلال اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث من خلال إطلاق حملة "احمها من الختان".
وفي عام 2016، شدد القانون المصري عقوبة مرتكب عملية الختان لتصل إلى السجن لفترة تتراوح بين خمس وسبع سنوات للطبيب، وتقع بين عام وثلاثة أعوام لمن يطلب ختان فتاة.
لكن في أغلب الأحوال لا يطبَّق القانون بهذه الصرامة على مَن يُلقى القبض عليه وغالبا ما ينتهي الأمر بعقوبات مخففة أو حتى إخلاء سبيل. كما أن القضايا التي ظهرت للرأي العام خلال السنوات الخمس الأخيرة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، وقد جذبت الانتباه لأنها انتهت بوفاة الضحايا.
وتقول منى منير، عضو مجلس النواب المصري، لبي بي سي إن القانون وحده لا يكفي لمواجهة تلك الظاهرة.
وترى منير أن "تغيير ثقافة المجتمع أمر يحتاج لسنوات"، مطالبة بالمزيد من حملات التوعية على الصعيدين المجتمعي والإعلامي. وقالت منير إن الأمر المؤسف أن "هذه الفتاة قتلت بدم بارد على يد طبيب".
وناشدت منير وزارة الصحة أن تعمل على تشديد الرقابة لرصد العيادات والأطباء المتورطين في هذه الجراحات، موضحة أن "العيادات التي ترتكب فيها هذه الجريمة تكون معروفة خاصة في المدن والقرى الريفية".
وأعربت النائبة، التي تقدمت باستجواب للبرلمان بسبب واقعة وفاة ندى، عن شعورها بالحزن والصدمة لدى سماعها عن الحادث "خاصة أن أي فتاة تموت بسبب هذه الجراحة تتعرض للحظات من الرعب والألم الشديد قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة. والأسوأ أن الأهل هم الذين يقودون ابنتهم لهذا المصير".
جهود التوعية
وتحركت النيابة العامة للقبض على المتهمين بعد أن تلقّت إخطارا من خط نجدة الطفل، التابع للمجلس القومي للطفولة والأمومة. وقال صبري عثمان مدير الخط إن الجهود التوعوية، ومن بينها الحملات التي تجوب القرى والمدن الريفية، تؤتي ثمارها، لكنها بحاجة لوقت "إذ أنها تواجه إرثا ثقافيا متجذرا في المجتمع".
وقال عثمان إنه منذ أن تأسست اللجنة الوطنية للقضاء على الختان في مايو/أيار الماضي، بدأ يلمس تغييرا في نوعية الاتصالات التي يتلقاها الخط. وأضاف في تصريح لبي بي سي: "بدأنا نتلقى استفسارات كثيرة من آباء يسألون إن كان الختان شرعيا أو ضرورة. كما جاءتنا اتصالات من بعض الآباء الذين يبلغون عن أمهات يتمسكن بإجراء الختان لبناتهن. بل حتى الفتيات أنفسهن بدأن في الاتصال بنا كي نتحرك لمنع الأهالي من إخضاعهن للختان".
ويتفق عثمان مع منى منير في أن أغلب من يجرون تلك الجراحات هم أطباء وهو ما يعتبره أمرا شديد الخطورة، "فالطبيب يقوم بذلك إما بناء على قناعة شخصية أو بدوافع مادية خشية أن يفقد رواد عيادته خاصة في الريف".
وتقول اليونيسيف إن مصر رابع أكبر دولة على مستوى العالم تشهد ختانا للإناث.
وتشير المنظمة الدولية إلى أن نحو مائتي مليون امرأة على مستوى العالم بين 15 و49 عاما يتعرض للختان وأن نصف هذا العدد يتركز في ثلاث دول هي مصر وإثيوبيا وإندونيسيا.
لكن سيكون من الصعب حصر ضحايا الختان؛ ذلك أن الأسر التي تبلغ عن حالات الوفاة أو الإصابة عددها قليل للغاية كما أن القبول الاجتماعي لهذه العادة لا يزال كبيرا.