في غياب قيادة أمريكية، تكافح منظمة الأمم المتحدة للقيام بدور بارز في مواجهة ما قد يكون أكبر تهديد تتعرض له منذ إنشائها، قبل 75 عاماً.
ففي غياب أية اقتراحات أمريكية لمكافحة كورونا، سعى الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في الأسابيع الأخيرة لعقد قمة افتراضية لزعماء الدول الخمس الكبرى في الأمم المتحدة بهدف وضع خطة لمنع الفيروس من إشعال صراع أكبر.
ولفت كولوم لينش، مراسل ديبلوماسي بارز لدى موقع "فورين بوليسي" يعمل في الأمم المتحدة، إلى أن المبادرة الفرنسية واحدة من عدة محاولات بذلت لملء الفراغ السياسي الذي تركته الإدارة الأمريكية، والتي باتت على ما يبدو مرهقة من دورها كمنظم رئيسي لشؤون العالم. وشملت مبادرة ماكرون دعوة لتبني قرار أممي يطالب بوقف القتال في صراعات تخضع لمراقبة مجلس الأمن.
لكن تلك المبادرة تعطلت وسط نزاع بين الولايات المتحدة والصين بشأن من يتحمل مسؤولية تفشي أشد مسببات الأمراض فتكاً منذ قرابة مائة عام. وقد أدى إدخال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى المستشفى بعد إصابته بالفيروس، لتجميد تلك المبادرة.
مصير الأمم المتحدة
ويرى كاتب المقال أن ذلك التجميد قد يكون مصير الأمم المتحدة ذاتها. فمنذ إعلان منظمة الصحة العالمية عن الوباء في 11 مارس (آذار)، تنافس عدد من كبار الشخصيات الدولية، ومنهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وزعماء من الصين وأستونيا إلى تونس وفرنسا وروسيا، لملء هذا الفراغ الجيوسياسي، وطرحوا عدة خطط لمعالجة الأزمة الصحية.
لكن كل تلك الجهود واجهت مقاومة شديدة أو لا مبالاة، ما طرح تساؤلات حول قدرة الأمم المتحدة على العمل بفعالية في ظل تراجع قوة عظمى أمريكية غير راغبة، أو عاجزة على ما يبدو، عن قيادة العالم خلال هذه الكارثة الصحية. كذلك، طرحت تساؤلات حول قدرة الصين على صياغة رد دولي منسق ضد وباء ظهر بداية على أراضيها.
وفي ذات السياق، قال ريتشارد غووان، ممثل المنظمة الدولية لدى مجموعة الأزمات الدولية: "أظهرت الأزمة أن أياً من الصين أو الولايات المتحدة غير مستعد أو قادر على قيادة النظام الدولي. ويستحق الفرنسيون الثناء لمحاولتهم جمع الكل معاً، ولكن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي منقسمة لدرجة أن ماكرون وجد صعوبة في توحيدها".
رؤية مقنعة
وأضاف غووان: "بدا الأمريكيون تافهين، وركزوا جهدهم على تحميل بكين مسؤولية انتشار كوفيد- 19 عوض تطوير استجابة دولية للمشكلة. ولكن الصينيين فشلوا أيضاً في تقديم رؤية مقنعة حول كيفية التعامل مع الأزمة، ويبدو أنهم أكثر اهتماماً بالدفاع عن سمعتهم".
وحسب كاتب المقال، يحل هذا المأزق فيما تواجه الأمم المتحدة والولايات المتحدة ضغطاً دولياً ومحلياً متصاعداً من أجل تنسيق موقف دولي للتصدي للفيروس، كما فعلتا في مواجهة معارك سابقة ضد مرض الإيدز ووباء إيبولا. وأظهر الفشل في الاتفاق على طريقة للمضي قدماً درجة التراجع الذي وصل إليه التنسيق الدولي- أو التعددية- في ظل إدارة ترامب.
إلى ذلك، أرسل قبل أسبوع السناتور الديمقراطي بوب مينينديز، عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، رسالة إلى كيلي نايت كرافت، مندوبة الأمم المتحدة لدى المنظمة الدولية، قائلاً: "على مر التاريخ، ساعدت القيادة الأمريكية المجتمع الدولي على تنظيم أولوياته وتوحيد استجابات وطنية متباينة ومتضاربة في كثير من الأحيان، لتفادي أسوأ السيناريوهات. ولكن، فيما يواجه الأمريكيون وجميع شعوب العالم هذا الخطر على الصحة والاستقرار والأمن الدولي، لم نشهد قيادة أمريكية قوية في مجلس الأمن الدولي، ولا في أي مكان آخر على الساحة الدولية".
رد عالمي
وقال السناتور الأمريكي كريس مورفي في مؤتمر صحفي نظمته عبر الهاتف جي ستريت، منظمة ضغط تركز في عملها على إنهاء النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني: "لا سبيل لحماية أنفسنا من فيروس كورونا الحالي، أو ظهوره في الخريف، ما لم نقم برد عالمي. ولكننا لم نفعل شيئاً. لم ننسق أنشطتنا مع حلفائنا في أوروبا، وأعلنا حظر السفر من أوروبا حتى دون إخطار دول الاتحاد الأوروبي سلفاً، ويبدو بوضوح أننا لا ننسق أيضاً ردنا مع خصومنا". وأضاف: "أقولها بصراحة، ينبغي أن نكون يقظين بشأن التعاون على أساس الصحة العامة مع أي بلد، سواء أكان حليفاً تاريخياً، أو عدواً للولايات المتحدة".
إلى ذلك، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، غوتيريش، في 23 مارس( آذار) إلى وقف إطلاق نار في جميع أنحاء العالم، مبادرة شعبية لم يتخذها مجلس الأمن الدولي. وأصدر نداءً مفصلاً لتلقي مساعدات بقيمة 2 مليار دولار لحماية الأشخاص الأكثر ضعفاً في العالم من ويلات الفيروس.
وبرأي الكاتب، يعتبر نداء الأمين العام للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في العالم، مع المطالبة بحزمة مساعدات من أفضل الاقتراحات الملموسة التي تقدمت بها الأمم المتحدة منذ بداية الوباء.