هكذا يعزّز وباء كورونا فرص إعادة انتخاب ترامب

يؤكد علم النفس أنه عندما يصبح البشر أكثر إدراكاً لفنائهم، يميلون لتأييد قادة يزعمون أنهم قادرين على حمايتهم.

ويرى بيتر كولمان، أستاذ علم النفس والتربية لدى جامعة كولومبيا، أن من بين أكثر المجالات النظرية والبحثية المتداولة ما يعرف باسم "نظرية إدارة الذعر" التي أثارها أولاً إرنيست بيكر المختص في علم الإنسان، والحائز على جائزة بوليتزر على كتابه "إنكار الموت" الصادر في عام 1973.

وطرح بيكر فرضية أن قدرات فطرية مزدوجة( أ- رغبتنا الحقيقية بالبقاء و بـ- وهي أننا سنموت في يوم ما) تتحكم بالبشر. وتتسم حقيقة البقاء بأنها مرعبة لدرجة أن البشر يميلون للذهاب إلى أبعد مدى لإنكارها وتشتيتها من أجل إدارتها. ويعتقد بيكر أن "قدراً كبيراً مما نقوم به طيلة حياتنا- عملنا وحياتنا الأسرية ومعتقداتنا الدينية وكيفية انتخاب ممثلينا- أمر منظم ويدور حول حاجتنا العميقة لإدارة هذا الخوف الشديد".

ميول

وخلال الثمانينات، أجرى ثلاثة اختصاصيين بارزين في علم النفس الاجتماعي دراسة حول هذه الفكرة. وأجروا مئات التجارب حول ما يسمى "أهمية الفناء". وكان من أهم نتائج هذه الدراسة أنه عندما يتحقق البشر من فنائهم- كما يحدث في زمن الأوبئة- يصبحون أكثر تعلقاً بوجهات نظرهم الثقافية، ويقللون من شأن بعض الأشخاص، أو حتى يؤذون من يعتقدون أنهم يهددون آراءهم، ويدعمون زعماء يدعون القدرة على حمايتهم. وهذا يعني أنه فيما يبدأ الأمريكيون في التركيز على فنائهم، فهم يصبحون، على الأرجح، أكثر عدوانية وتبنياً لأفكار قومية، وأكثر تحاملاً على مجموعات أخرى. كما يصبحون أكثر تأييداً لقادة مهيمنين يعتبرون نموذجاً لتلك الميول.

ويرى كاتب المقال أن نظرية "أهمية الفناء" لعبت من قبل دوراً في السياسات الأمريكية. فقد وجد الباحثون، من خلال مجموعات مذهلة من الدراسات التجريبية، أن تذكير الأمريكيين بهجمات 9/11 أدت لارتفاع ملحوظ في مستويات فكرة "أهمية الفناء" ودعم انتخاب جورج بوش في عام 2004- ومن ضمنها دعم إعادة انتخابه- وتقليل الدعم لمنافسه الرئاسي، جون كيري. ولاحظ الباحثون أن دعم بوش جاء من خلال سجله الرئاسي، فضلاً عن "صورته كدرع حامٍ ضد الموت، ومسلح بأسلحة فائقة التقنية، وخطابه القومي وزعمه بأنه ينفذ مشيئة الله" في تخليص العالم من الشر"، والإجهاز النهائي على الرعب من الموت.

فرصة جديدة

ويلفت الكاتب إلى أن الأبحاث حول نظرية إدارة الرعب تشير بوضوح إلى أنه كلما كان الأمريكيون أكثر قلقاً خلال الدورة الانتخابية المقبلة، كلما تغلب ترامب على الأرجح عبر صناديق الاقتراع على العثرة الكارثية الحالية، وزادت فرصه في إعادة انتخابه.

ورغم الاختلاف الشديد في نمطي القيادة اللذين اتبعهما كل من بوش وترامب( قرار بوش الحازم في مواجهة تهديد خارجي، أو ممارسة ترامب دور المدير التنفيذي الذي يأمر بإنجاز المهام) فهما يمثلان سياسات وإجراءات حازمة لا هوادة فيها، وأحادية في اتخاذ القرار يسعى لتحقيقها أشخاص قلقين للغاية.

ويلفت كاتب المقال لإطلاق ترامب على نفسه صفة "رئيس في زمن الحرب"، مع اصطفاف مجموعة من كبار الضباط بزيهم العسكري وبعض المسؤولين إلى جانبه (على مسافة تقل عن مترين وفقاً للتعليمات الصارمة في زمن الكورونا) أثناء مؤتمراته الصحفية، وهو ما يتطابق تماماً مع حاجة أمريكا إلى رمزٍ لزعيم حامٍ غير معرض للخطر.

من جهة ثانية، توحي دراسات أخرى بأن تقديم صورة للأمريكيين عن مستقبل أكثر تسامحاً وأماناً ورعاية وترابطاً مع العالم يمكن أن تفيد في التغلب على الخوف من الموت. واليوم، في ظل أزمة مرعبة كوباء كورونا، ومع انقسام شديد في الحياة السياسية، يبدو الأمريكيون بحاجة ملحة إلى شعور واعد بالخروج بسلام من هذه الأزمة واستعادة حياتهم الطبيعية.

إنهم، برأي الكاتب، بحاجة إلى عرض واضح ومستفيض بشأن التحديات والتبعات التي تواجه البلاد، وإلى شعور قوي بالأمل والتوقعات التي تنتظرهم عند الجانب الآخر من الأزمة. وهو ما ينبغي أن يسود في نوفمبر( تشرين الثاني) عندما تجرى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

 

*عن 24

الأكثر زيارة