صباح التصالح والتسامح الإيجابي الذي كان في خاطري، من ذاكرة النشاط المدني في مدينة عدن المستبعدة، هذا ما جعلني أصرخ بنبرة انفعالية أين أجد صوت عدن وحضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى في هذه الورشة؟ اين هم المستهدفون بالتصالح والتسامح والتضامن في هذه الورشة؟! وتبادر الى ذهني ما قاله عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو بشأن علاقات الهيمنة ورهاناتها الرمزية، إذ أكد أن من يقبض المجرفون ويتحدث أمام جمهور ما يمارس سلطة رمزية على المستمعين فضلا عن الذين لم تسنح له فرصة الحضور لعدم دعوتهم أو لعدم علمهم بها ويتم الأمر وكأنهم غير موجودين قصدا أو سهوا! وما هكذا تورد الأبل يا أصدقاؤنا الاعزاء وصديقاتنا العزيزات في المجلس الانتقالي ومستشاريه الأكاديميين والأيديولوجيين ضيقتوها زايد على اللزوم يارفاق هداكم الرحمن. وهذا ما قصدته بالتسامح السلبي في ورقتي الذي يعني ترك الأمور تمشي على أعنتها دون أن يكون للمتسامحين موقفا محددا منها وهو يتساوي مع اللامبالاة والانعزال والاهمال أو غياب الاهتمام بمعنى عدم التفاعل والتعاون والتضامن الفعّال، إذ تجد فيه كل فرد من أفراد المدينة أو المجتمع أو المؤسسة العامة منشغل بأمور حياته الخاصة ويعزف عن الاهتمام بالموضوعات العامة التي يتشارك به مع غيره من أعضاء المؤسسة أو الحي أو المدينة أو المجتمع عامة، ويتصرف وكأنها لا تعنيه! وهذا هو المستوى الأدنى من التسامح الهش الذي لا يمكن البناء عليها لانه لايدوم على حال من الأحوال بل يظل سريع التبدل والتحول والزوال. بينما التسامح المطلوب والملح والضروري في وضعنا الحالي هو التسامح الإيجابي الذي يعني أن الفاعلين الاجتماعيين المستهدفين بالتسامح قد استشعروا الحاجة الحيوية إلى بعضهم وأن لديهم مشاعر واعية ومشتركة باهمية التعايش والاندماج في مجتمعهم ويمتلكون القناعة الراسخة باهمية الحفاظ على سلمه وسلامته ونظامه واستقراره وتنميته وترسيخة بالتسامح الفعّال بالافعال والأقوال بوصفه قيمة اخلاقية وثقافية مقدرة خير تقدير في حياتهم المشتركة وحق من حقوق كل الإنسان الذي يستحق التقدير والاحترام وهذا النمط من التسامح لا يكون ولا ينمو الا في مجتمع مدني منظم بالقانون والمؤسسات العامة التي يجب ان تقف على مسافة واحدة من جميع أفراد المجتمع بما يجعلهم على قناعة تامة بأنها مؤسساتهم هم وأن الحفاظ عليها وصيانتها وتنميتها هي مسؤوليهم جميعا، ويستشعرون في أعماقهم الدافع والحماس للعمل والنشاط والتضامن الفعّال وبذلك يمهد التسامح الشرط والمزاج العام للتضامن العضوي بين جميع أفراد المجتمع في مشروع اعادة بناء مؤسستهم السياسية الوطنية الجامعة أي الدولة على أسس عادلة ومستقرة جديرة بالجهد والقيمة والاعتبار والافراد يأتون ويذهبوا اما المؤسسات فهي وحدها التي يمكن أن تدوم إذا ما وجدت من يتعهدها بالصيانة والحرص والاهتمام . والنَّاس هم الذين يشكلون مؤسساتهم ثم تقوم هي بتشكيلهم! فكيف ما كانت مؤسساتهم الحاضرة يكونون في مستقبل الأيام ! هذا هو التسامح المطلوب في واقع حياتنا الراهنة، انه التسامح الذي لا يعني أن على المرء أن يحب جاره بل أن يجهد في أحترامه ويصون حقوقه وفقا للقاعدةالأخلاقية. عامل الناس كما تود أن يعاملوك!
من وحي ورقتي العلمية
2025/01/16 - الساعة 09:54 صباحاً