لسنا خبراء في الاقتصاد ولا مختصين في التجارة، لكننا نعيش في هذا الوطن، ونتنفس آلامه، ونرصد ما يجري فيه من قرارات تمضي سريعًا نحو طريق محفوف بالمخاطر. اليوم، نُفاجأ بما يُسمى مشروع تحرير سعر الدولار الجمركي، والذي يبدو في ظاهره اقتصاديًا، لكن في باطنه هو أقصر الطرق لجمع الإيرادات دون رؤية إصلاحية حقيقية، وتحت ذرائع مثل صرف الرواتب أو تمويل مشاريع حكومية.
لكن الحقيقة المُرّة هي أننا أمام مخطط اللهط والسلب، لا مشروع وطني، وهذه السياسة لن تقود إلا إلى عواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة.
نحن نرى اليوم مؤسسات الدولة تتآكل، وتُنهب الأموال بلا حساب، فيما تتعرض البنية التحتية، خاصة في العاصمة الاقتصادية والتجارية والمنطقة الحرة ، للتدمير الممنهج.
كان يفترض أن يُخصص هذا الجهد لنهضة وطنية واستراتيجية شاملة، لتحسين معيشة الناس، لا لزيادة معاناتهم. لقد أصبحنا نعيش في ظل انعدام الكفاءات والخبرات الوطنية داخل مؤسسات الدولة. تمر مشاريع كبرى دون أي مراجعة دستورية أو رقابة برلمانية، وكأن البلاد تُدار خارج إطار القانون، أو بالأصح خارج إطار الدولة.
ومع كل قرار اقتصادي مرتجل، تتهاوى العملة الوطنية، وتزداد الأسعار، ويهلك الزرع والنسل، بينما يُسوّق لنا الوهم بأن هناك دعمًا للمواد الأساسية، وهو في الحقيقة دعمٌ وهمي يبتلعه هوامير المال والفساد الذين بنوا لأنفسهم إمبراطوريات من العقارات، والفنادق، والبنوك، وتجارة الذهب، والمولات، والشركات الخاصة، في وقتٍ يعاني فيه الشعب الأمرّين.
إننا اليوم أمام مافيا حقيقية تدير شؤون البلاد، وليس أمام دولة مؤسسات. هؤلاء لا يخططون لإنقاذ الاقتصاد، بل لجرّه إلى مزيد من التدهور، خدمةً لمصالحهم الضيقة. لذلك، علينا أن نقف بكل وضوح وشجاعة أمام هذه المخططات، ونرفض أي مشروع لا يراعي مصالح الناس، ويقود البلاد إلى مزيد من الفقر والانهيار.
نحن نعيش في "لا دولة"، حيث الأغلبية تُسحق بالقهر، والأقلية تعبث بمقدرات الوطن، وتلعب بالأخضر واليابس. كلمة أخيرة: لن تُبنى الأوطان بالقرارات الارتجالية ولا بمشاريع الجباية. بل تُبنى بالشفافية، والخبرة، والمؤسسات، والإرادة السياسية الحقيقية لخدمة الشعب لا سرقته.