لطالما شكل وصف الرئيس السابق علي عبدالله صالح لخصومه السياسيين بأنهم أفاعٍ وأنه كان يتفاخر بقدرته على أن يرقص فوق رؤوسها، وبالمناسبة فهذه المقالة تأتي في الذكرى الأولى لمقتل الرئيس صالح بعد لدغة أفعى من أفاعي اليمن التي استطاعت أن تطوي أكثر من ثلاثة عقود من أطول حياة رئيس طوّع الأفاعي اليمنية ، ففي الرابع من ديسمبر 2017 قام الحوثيون بتصفية الرئيس عبدالله صالح بعد أن اختلف شركاء الانقلاب السياسي وبعد أن حاول هو أن يرقص رقصته الأخيرة لتكتب لدغة الأفعى الحوثية فصلا جديدا من التاريخ السياسي اليمني.
شكل حديث الرئيس خالد بحاح في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي 2018 صدمة عند المراقبين العرب والغربيين، عندما قال إن حرب اليمن ستنتهي بعد خمس سنوات وفقا للمعطيات الحاضرة، فلا يمكن الانتقال إلى سلام مستدام مع وجود مسببات الصراع المفتوح على مصراعيه. الصدمة من هذا الحديث تعبّر عن عدم قدرة الإقليم العربي والمجتمع الدولي على فهم الصراع اليمني، ولن تنجح أي جهود لتحقيق السلام، ما لم تتم معرفة تعقيدات الصراعات اليمنية.
الصحوة الأميركية المتأخرة والتي عبر عنها كبار شخصيات البيت الأبيض من وزيري الخارجية والدفاع، وحتى الاندفاعة البريطانية الهائلة التي أظهرها وزير الخارجية جريمي هانت والتي قادته إلى أن يزور طهران تمثل، سباقا بين البريطانيين والأميركيين في نطاق التنازع الدولي حول الاتفاق النووي الإيراني بعد انسحاب الولايات المتحدة وحالة الخلط التي سببها موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
تحاول الولايات المتحدة إثبات أن استراتيجيتها المعتمدة ضد إيران حققت نجاحات سريعة على حساب اليمنيين، فشكلت الأفكار الأميركية بمنح الحوثيين مناطق حكم ذاتي منزوعة السلاح لغطا واسعا لاستحالة أن تكون محافظات صعدة وعمران وصنعاء وحجة منزوعة السلاح فهذه مناطق لا يمكن أن يعيش أهلها من دون سلاح قبل أن يعيشوا على الغذاء، وهذه واحدة من المفارقات الهائلة في انعدام الفهم لتعقيدات اليمن الأساسية.
مشكلة المجتمع الدولي أنه غير قادر على استيعاب أن أزمة اليمن أزمة متراكمة مرت في عقود متوالية بأزمات تم ترحيلها حتى بلغت التعقيدات درجة يصعب على اليمنيين أنفسهم استيعابها، فالنفوذ القبلي والتشدد الطائفي كانا على مدار ألف عام من تاريخ اليمن عنصرين ثابتين صنعا هذا التحجر في الذهنية اليمنية، ولا يمكن تجاوز التحجر اليمني طالما لم تتم معالجة جذرية لأزمات اليمن بداية من أزمة القضية الجنوبية مرورا بأزمة الدولة الوطنية الغائبة، ووصولا إلى أزمة صعدة الأكثر تعقيدا.
منذ أن تزاوجت الجمهورية بالملكية في شمال اليمن عام 1962 وأنتجت “الجملوكية” برزت ظاهرة يمنية فريدة، فلقد عقد مؤتمر خمر عام 1965 واتفق اليمنيون غير أنهم انقلبوا على ذلك الاتفاق مرات متعددة، وكذلك كانت نهاية وثيقة العهد والاتفاق (18 يناير 1994)، التي رعاها الملك الراحل الحسين بن طلال، العاهل الأردني، بين شريكي دولة الوحدة علي سالم البيض ممثل اليمن الجنوبي، وعلي عبدالله صالح ممثل اليمن الشمالي، فقد انفجر صراع مسلح انتهى باحتلال الشمال للجنوب وفرض الأمر الواقع على الجنوبيين. الأمر ذاته تكرر بعد مؤتمر الحوار الوطني الذي رعاه المجتمع الدولي ووصل إلى كتابة الدستور وانتهى بانقلاب وحرب واسعة النطاق، هذه المتلازمة بين عقد الاتفاقيات والانقلاب عليها سمة من سمات السياسة اليمنية، وكلها مرتبطة بعقيدة مسكونة عند جهة جغرافية معينةوتتعصب عندها المواقف فتنفجر حروبا مستدامة.
يتساءل الكثيرون أين دور النخب السياسية والفكرية؟ وهذا تساؤل يضاف إلى جملة من التساؤلات لدى الغرباء عن المشهد اليمني، فالنخب تمثلها في التاريخ السياسي شخصيات مرت في اليمن الشمالي مثل الرئيس إبراهيم الحمدي الذي تم اغتياله، ويماثله جنوبا سالم ربيع علي سالمين، فهاتان الشخصيتان تمثلان اليمن الوطني الذي يسكن عند شخصيات معاصرة غير أنها لا تستطيع لعب الدور الوطني في ظل تغييب الدولة الوطنية. هذه نقطة أساسية يجب أن تستحضر في عجز اليمنيين على تقديم وجوه مختلفة في صراعاتهم، وتكفي الإشارة إلى أن ما أنتجته سنوات الحرب الأربع شمالا لم يكن سوى امتداد للتعصب الطائفي، ويمكن الإشارة إلى محمد علي الحوثي كرمزية لنتاج شمال اليمن في ظل القبضة القبلية للفئة المتسلطة منذ ألف عام من الحكم الزيدي.
المبعوث الأممي مارتن غريفيث الساعي بين التناقضات اليمنية لن يحصل على سلام دائم في ظل عدم استيعابه واستيعاب القوى الدولية من ورائه، أن اليمن منتج للحرب، وأن المقاربة الممكنة يجب استحضارها من نماذج قبلت التغيير كدول البلقان ودول آسيا الوسطى التي استوعبت التغيير وقبلت بتكوين أوطانها بعيدا عن الصراعات.