زمن ذهبي مزدهر المجالات عشناه .. ساعد الكثير منا في تحقيق الطموحات وتكوين الشخصيات في وقت قياسي مقتضب .. ذلك الزمان هو زمن الأمن والأمان زمن المحبة ورحمة الجيران ، زمن حب النظافة من الإيمان ،، تذكرت كيف كان حينا نظيفا مرتبا كباقي احياء مدينتنا الجميلة ،، تذكرت ان الخالة (سلمى) .. كانت احدى عاملات النظافة في شارعنا وهي العاملة المسؤولة على نظافة (الحارة ).. كانت الخالة (سلمى ) أربعينية العمر قمحية البشرة نظيفة نشيطة جادة التصرف تحب عملها ويحب كل الجيران ، في كل صباح يتبادلون التحايا (صّبحك بالخير ياسلمى ) صوت يصعد منهن .. وبمختصر الكلام يتداولن فتشرب الخالة ; فنجانها الصباحي المعتاد ، وكل يوم من بيت مختلف ، - على ترتيبها السابق تستمر بتفان في التنظيف ، ومن حيث إنتهت البارحة .. تبدأ هذا النهار بعينين متفحصتين تمشطان بدقة أركان وزوايا المكان ; تستقبل الخالة خروج العمال والعاملات ، الطلاب والطالبات بوجه بشوش متقطع الدعوات ، تعلو تارة وتنخفض مرات ، بالحفظ للجميع ودائم النجاحات ، سلمتي ياخالة سلمى ..
- بوجهتين مختلفتين أخرج مع والدي كل صباح يتجه لعمله الوزاري وأتجه نحو المدرسة .. وعند النصف الاول من (الحارة ) تقف منعطفة منهمكتة في مهنتها الرائعة ،، صباح الرضى ياسلمى (والدي مصبحا ) .. تبتسم بقلب صاف لتقول ; صباح من قيمك ومن صبحك ويتبادلان بود كلماتٍ وحركاتٍ غاية في اللطف والإطراء تنم عن عشرة حسنة ونية براقة كونتها لحظات من العمل اليومي الشاق بإخلاص وأمانة وبروح محبة وعقيدة خالصة لخدمة الموطن وشرف العيش والمعيشة .. ( ماأنبل المشاعر ياخالة سلمى )
- في حارتنا ذات الشارع الترابي المختلط بمخلفات كثيرة دقيقة ثابتة ومتحركة !! تعكف الخالة سلمى طول النهار تحت الشمس وتغيرات الطقس والفصول بأدواتها المتخلفة الرثة تكابد مخلفات وقاذورات وتصبر ! وتعاني صبيانية أساليب وتصرفات وتبتسم ..
كل ذلك لم يفقدها الحماسة وزخم الاخلاص في الواجبات بصدق وتضحيات طواال فترة عملها في هذه الحارة... سلمت ياداك ياخالة..
- في صباح يوم الاتنين ذو الطقس المتغير كان ظهور الشمس قوي والحرارة بدأت بالإرتفاع بشكل ملحوظ في غرفتي ! أوشكتُ على تجهيز نفسي وها أنا خارج نحو المدرسة ، فتحت الباب بصعوبة وكأن شيئ ما يقاوم فتحه !! ..
أكوام ملونة من قراطيس وأكياس وعلب معدنية وبلاستيكية تعترض الباب !! (قمامة) !!! من رمى بها صوب منزلنا ؟!
كيف أصبحت بحجمها هذا ؟!!
القمامة بحجم أصغر عند عتبات بيت جارنا ابو وجيه !! وضع مقزز !!
أختفت الخالة سلمى !..
فوضى عارمة !!
أكياس قذرة مفتوحة !! تلوث يحاصر المكان !!
أشعر بالغثيان !!
أجتاز الطريق بمشقة !! أتنفس بصعوبة !!
حرارة الشمس عمودية على أكياس القمامة السوداء ، ستحدث إنفجار هائل سيهتز له كل بيت !! وسيعي كل ٲ
طفال الحارة ، فحجم الكارثة أكبر من التكهن بها !" ..
لكن .. لكن أين هي متعهدة النظافة ؟!
إين انتي ياخالتي سلمى ؟!
قبل وقوع الكارثة عودي مفعمة منظٍمة ، فأنا والسكان والحارة نحتاجكِ.. عودي الأن قبل الأن كما كنتي ..
لافرقَ فيما بيننا فأنت نحن ، ونحن أنت ِ.. وما أوحش المكان ياخالتي !
- إستيقضت ذات صباح تختلف أنسامه عن صباح الامس ، من شرفة المنزل نظرت متفحصا الحارة بدقة مخبر باحث عن خفايا ،، وبشهقة لمحت شيئ ما بشبه أدوات عمل مرمية على التراب !! نعم إنها هي .. أدواتها المهترئة الرثة المتسخة ، عادت والعود أحمد ; ستعودين كما كنت ياحارتي المظلومة مزهرة معطرة ، بهيجة نظرة مشاعرك تحمل الإبتسامة ، ورحك توزع لكل الناس المحبة ..
مهلا .. ليست الخالة سلمى!! إنه وكيلا لها سيتولى أمور حرتنا ! .. ماذا ٳقترفتي ياحارة ؟!
لايبدو على الوكيل الاهتمام ، بل لٱ يكترث للكارثة !! فما ٲعظمها من كارثة ! .. تعابير وجهه المتفحّم تعُلن هذا !! .. طموحه المتزايد ينذر بقدوم غبار أهوج سيحدد ملامح حارة متغيرة لم تسلم قط .. بعد أختفاء الخالة سلمى .