عن قرار ترامب الانسحاب من سوريا

التخبط الامريكي في سوريا وفي مجمل ملفات المنطقة بات واضحا لدرجة كشفت عيوب الادارة وفضحت حقيقة كان يجادل بها البعض ، وهي أن الولايات المتحدة ، هذه القوة الأعظم في التاريخ ، هي دولة بلا استراتيجية وتتخبط كما تتخبط الدول النامية .

إعلان الانسحاب من سوريا واستقالة وزير الدفاع ورئيس ملف التحالف في حرب داعش ، وطلب وزير الخارجية من العراقيين ملء الفراغ الذي سيحدثه الانسحاب في غضون 100 يوم ( لاحقا اعلن ترامب انه انسحاب بطيء ) وغير ذلك مما سنستعرض بعضه دليل على فشل هذه الادارة التي تغرد وزاراتها السيادية كل على ليلاه ، ففي الوقت الذي مزق فيه ترامب الاتفاق النووي يعلن فجأة انسحابه من سوريا التي يهيمن على بعضها الايرانيون ، ومع ذلك يدعو مايك بومبيو رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي لملء الفراغ والتوغل مسافة 70 كيلو مترا داخل سوريا مع علمه بأن من سيملأ اي فراغ هناك هو الحشد الشعبي الذي هو حرس ثوري ايراني يتلقى اوامره من ملالي قم وطهران .

وفي الوقت الذي يرسم فيه وزير الدفاع جيم ماتيس المستقيل خطة انهاء حرب اليمن يفاجأ بقرار رئاسي يأمره بالانسحاب فيربك المشهد برمته .

ولكي لا يجعل الديمقراطيين يهنأون بانتصارهم في الانتخابات الاخيرة واحتلالهم مجلس النواب يخرج ترامب عليهم بسور المكسيك ويعطل الحكومة الفيدرالية مطالبا اياهم بالرضوخ والموافقة على ادراج 6 مليارات دولار ضمن الموازنة ، فيرحل العام 2018 والعالم بأسره على مكتب رئيس لا يعرف أحد كيف يفكر ومتى يتخذ القرارات .

أما بخصوص سوريا ، فإن كل الدول المؤثرة مستعدة لتحقيق أهدافها بعد الخطوة الامريكية ، طورا بالتنسيق ، كما يحدث بين انقرة وموسكو وطهران وطورا بانفراد كما يفعل الاسرائيليون ، وطورا ثالثا بالتأثير عن بعد ، أما النظام فغارق في معركة البقاء ليس الا .

ولكي لا نحطب بليل ، فإنه لا يجوز لنا إغفال أن التنسيق الروسي التركي قابل للانفجار في اي وقت ، اذا رفض الروس العملية العسكرية التركية في منبج ، أو على الاقل ، أذا رفضوا تقديم ضمانات بابعاد قوات الحماية الكردية عن المدينة ، ولاحقا عن شرق الفرات ، ولكن ، وحتى الآن ، فإن الروس مستعدون كما يبدو لتقديم هذه الضمانات ، وهو ما سيبطئ من الاندفاع التركي والخلاف الحتمي المرتقب .

ويغيب عن كثيرين أن مسألة إعادة الاعمار في هذا البلد الذي دمرته الطائرات الروسية والامريكية لا زالت مبكرة جدا في ظل أصرار الأطراف الدولية التي تسعى لتكون فاعلة ، على دور للأمم المتحدة في هذا المحور الذي ينتظره الكثير من الملفات العالقة بدون حل ، والتي لا تبدأ بالدستور ولا تنتهي باللاجئين ولا بالمصالحة التي لن تتم بعد كل هذا الخراب وهذا الدمار وهذا التشييع والتهجير وتلكم الانقسامات على مختلف الصعد .

كل ما يمكن قوله بخصوص خطوة ترامب لا يخرج عما اختزلناه .

أما ما يعزف عليه الجميع الآن ، وهو إعادة تأهيل النظام واستتباب الامور فهي عملية جارية على قدم وساق دون أن يجزم أحد عدا ذوي المصلحة أنها ستنجح أيا كان هذا النجاح ، وذلك لتباينات واسعة ، وتناقضات عميقة ، يضاف اليها قضايا ذات صلة لا تبدأ في إعادة اللاجئين وبأي طريقة ، ولا بماهية الدستور ومستقبل المصالحة ، وبالتأكيد ، فإن خارطة سوريا متحركة لتلاعب مختلف الاطراف الدولية بملفها الذي بات ملفات ، وقضيتها التي تفرعت لقضايا ، أما راهنا ، فإن الثابت الوحيد " حتى الآن " هو أن سوريا تم ابتلاعها من قبل الروس والايرانيين والاتراك ، وهؤلاء ، بجلالة قدرهم ، وللأسباب الآنفة ، لن يكتب لمشاريعهم النجاح والفلاح بدون موافقة اسرائيل التي تستطيع ارباك المشهد في اي وقت ، ولا يخدعنكم الصمت الايراني حيال التنسيق الروسي التركي ، فإن المتتبع لخريطة التحالفات يدرك بأن الايرانيين ضامنون لمصالحهم من خلال الروس ، ولا ننسى أنهم كانوا حاضرين بقوة في اجتماع جنيف الاخير الذي خصص في اغلبه لملف الدستور .

قلنا وبكل ألم : إن الملف السوري بعد الخطوة الامريكية بات بأيدي الايرانيين والروس والاتراك ، وايضا الاسرائيليين بصورة أو بأخرى ، ولكن يبرز سؤال سبق وسألناه ويحمل اجابته في بطنه :

اين العرب من كل هذه الميمعة ؟؟ .

د.فطين البداد