زمن غشيه موج

 

      مات الاستاذ عبد الوهاب عبد الباري ، أستاذ الأدب العربي في ثانوية خورمكسر في الستينات من القرن الماضي ، ورحلت معه سنوات جميلة من زمن غشيه موج لم نكد نستبين منها خط السير .. تكسرت المجاديف .. وأبحرت السفينة بأشرعة محاكة من أبخرة الماء المتصاعدة من أعماق المحيط البعيد .

    سيرة الرجل مزيج من اللوحة التي رسم بها واقعنا ذات يوم وهو يشرح لنا علاقة الأدب بالعلوم مشبهاً إياها بعلاقة "قلة الأدب" بالضياع .

     كان يشرح لنا الجناس والطباق والتورية والاستعارة والاستعارة المكنية، وكان لا يحب شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة ، ويفضل عليه مجادلات جرير والفرزق ، ( أوالئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا ياجرير المجامع ).

     كان يستهويه التشبيه فيقول إن حال العرب منذ أن حولوا الأدب إلى دواوين للترفيه دون الغوص في معنى النص ينطبق عليهم قول الشاعر القديم :

   كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماء.

    مع الاستاذ عبد الوهاب بدأت بواكير الكتابة ، وكنا في ذلك أشبه بأطفال يحاولون الوقوف على أقدامهم ليخطون خطواتهم الأولى على طريق طويل ، كانت سخريته من محاولاتنا لا تنته بالاحباط فقد كان لسخريته إيحاءات تحمل أكثر من دليل على التشجيع ولكن بأسلوب مختلف .

   رحمة الله تغشاك أستاذنا الكبير عبد الوهاب عبد الباري .