لماذا فنزويلا الآن؟ وما القاسم المشترك بينها وبين الاقطار العربية.. إنهم القتلة الاقتصاديون والمفسدون

1-   فنزويلا لماذا الان ؟

    لو سألت أكثر الناس من هي الدولة صاحبة اكبر احتياط نفط في العالم لكان جوابهم المملكة العربية السعودية . لكن الجواب الصحيح هو فنزويلا حيث أن احتياط فنزويلا هو 297 مليار برميل مقابل احتياط السعودية 267 مليار برميل  .

     اذن  النفط هو الدافع لما يحدث الان في فنزويلا . وكما حصل في المكسيك بعد اكتشاف النفط فقد أدى التدخل المباشر للولايات المتحدة في شؤونها وتخريب اقتصادها ونهب ثرواتها بحيث قال رئيس المكسيك بيرفوريو دياز : “مسكينة هي المكسيك لبعدها عن الله وقربها من الولايات المتحدة”. ويمكن القول الشيء نفسه في حالة فنزويلا .

   بدأ حفر أول ابار النفط سنة 1910 وتم اول اكتشاف له سنة 1914 علماً بأن النفط كان معروفاً في فنزويلا حتى أيام سكانها الاصليين قبل مئات السنين تماماً كما كان النفط معروفاً في الجزيرة العربية منذ ما قبل نبينا محمد صل الله عليه وسلم حيث نصح أحدهم بأن لا يكتفي بالدعاء لشفاء جمله من الجرب وقال له (وقليل من القطران ).” و القطران هو المادة الأسفلتية من النفط . كذلك كان أول ذكر  للنفط في العراق قبل 5000 سنة في مدينة هييت بل وتم استعماله في رصف مدينة بغداد واسوار مدينة بابل .

   اصبحت فنزويلا المصدرة الاكبر للنفط في العالم سنة 1928 ومنذ ذلك التاريخ والنفط هو من اساسيات سياسة واشنطن و شركاتها النفطية. وكما يحدث في الدول النامية فيتم افساد القليل من طبقتها الحاكمة وتشغيل ما اصبح يسمى في هذه الايام بالقتلة الاقتصاديين سواءً من الاجانب ولكن بالتنسيق والتآمر مع قتلة اقتصاديين محليين  . اساءت الطبقة الحاكمة في فنزويلا استعمال بترودولاراتها  وذلك بإغفال برامج التعليم والصحة والبنية التحتية بل والزراعة والتي كانت تكوّن ثلث الناتج المحلي في بدايات عشرينات القرن الماضي لتهبط الى العشر واصيبت بما يسمى المرض الهولندي (DUTCH DISEASE) وهو عندما يأتي فجأةً موارد كبيرة فتهمش بقية روافد الاقتصاد .

    سنة 1940 اصبحت فنزويلا اكبر منتج للنفط في العالم الغربي . وكلما جاء مصلح تم الانقلاب عليه بواسطة انقلابات مدبرة من الخارج . جاء شافيز وقام باصلاحاته ومنذ ذلك الوقت بدأت محاربته بل والانقلاب عليه واعتقاله الا أنه استطاع الافلات من سجانيه وبقيت الحرب عليه وعلى خليفته مادورو مشتعلةَ الى يومنا هذا. زاد احتياط النفط في فنزويلا زيادة هائلة بعد استخدام تكنولوجيا استخراج النفط الثقيل الاسفلتي اواخر القرن الماضي لتصبح فنزويلا صاحبة الاحتياط العالمي رقم واحد .

2-   القتلة الاقتصاديون العرب

    يعاني الوطن العربي من كل الآفات والأزمات السياسية والأقتصادية والإجتماعية والادارية والأخلاقية . ولا يمكن لاعداء الامة في الخارج أن ينفذوا مخططاتهم دونما طابور خامس سياسي وقتلة اقتصاديين يشرفون على التخريب الاقتصادي عن قصد أو عن جهل، وعن مناهج تعليمية وإعلام يعلم الاجيال قشور الحضارة الغربية المادية بعيداً عن حضارتنا وأخلاقياتنا . فانتشر الفساد والجريمة بطريقة غير مسبوقة. سنتكلم في هذا المقال عن القتلة الاقتصاديين الذين يزيدون البلدان الفقيرة فقراً وديوناً، أو الذين يقايضون ثروات بلادهم مقابل اهداف انانية لا تتجاوز استمداد القوة من الاجنبي ليساعدهم في البقاء في الحكم او في مناصبهم بثمن نهب ثروات البلد وسلب سيادته السياسية والاقتصادية .

3-   الفساد والعولمة توأمان.

    كان مخططوا سياسة الولايات المتحدة متفقين في دراساتهم فائقة السرية والتي استمرت طول اشتغال الحرب العالمية الثانية بأن دور الولايات المتحدة بعد  تلك الحرب هو قيادة عالم واحد تحت هيمنتها في ظل نظام عالمي جديد.  كتب اشعيا بومان  رئيس تلك الدراسات السرية والمسماة (دراسات السلم والحرب) الى زميله آرمسترونغ المسؤول عن لجنة المناطقية وذلك بعد اندلاع الحرب بأسبوع كتب: “أن على الحكومة الامريكية أن تفكر بادارة العالم بطريقة مختلفة اما مقدار انتصارنا فسيكون بمقدار هيمنتنا … وعلى الولايات المتحدة أن تتقبل المسؤولية عن العالم”. ومن هنا بدأ التخطيط لمشروع العولمة .

    وفي اجتماعٍ آخر عقد في ايار 1942 كتب بومان : “أن على الولايات المتحدة ان تظهر القوة اللازمة لتأكيد الامن ولكن في الوقت ذاته  ان تتجنب الطرق التقليدية للاستعمار.” اذن فالنظام الجديد (هو استعمار بطرق مختلفة) حسب نصوص محاضر الاجتماعات السرية تلك . ولذلك علينا أن نسمي الاشياء بأسمائها دونما مكياج .

   رأى هانس وجاكوب فاينر Viner العضوين في اللجنة الاقتصادية ان المطلوب هو انشاء مؤسستين مختلفتين لكل منهما وظيفته الخاصة كما جاء في المذكرةE-A 26 الصادرة في 7/2/1942 ” وهكذا تم ولادة فكرة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ليصبح قراراً اعتمده الرئيس روزفيلت وتم اخراجه الى العلن في بريتين وودز سنة 1944 ليكونا آداتين للاستعمار الجديد لفرض الهيمنة على العالم لسلب الدول سيادتها الاقتصادية عبر مصائد الديون أو استنزاف ثروات الدول النامية الغنية عبر مشاريع لا لزوم لها أو ترتيب اولوياتها بما يتفق مع مصلحة الشركات العابرة للقارات وليس لشعوب تلك الدول .

   تم الافساد الاقتصادي  لتحقيق أهداف الاستعمار الجديد عبر أدوات العولمة كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالتعاون مع قتلة اقتصادين محليين  محترفين  او جهلة. حتى الدول الغنية  يتم استنزاف ثرواتها عبر الحروب والابتزاز وشراء الاسلحة من الطراز الخارج من الخدمة وبخطط يشرف عليها  قتلة اقتصاديون  محترفون  تحت غطاء  الشركات الاستشارية الامريكية خصوصاً والغربية عموماً . ومن المهم هنا أن اشير الى كتاب كشف المستور وعنوانه  ( القتلة الاقتصاديون) كتبه أحدهم وهو جون بيركنز . والكتاب اليوم موجود  مجانا على الانترنت بالعربية والانجليزية وانصح بقراءته لفهم ما يسعى هذا المقال لايضاحه.

4-   قراءة بين السطور

    كثيراً ما أحب القراءة بين السطور . هل يمكن لكم أن تقولوا لي ما هو أحد العوامل الهامة لما اسماه المحافظون الجدد بمحور الشر وذلك ايام جورج بوش الابن ؟ كانت جميع تلك الدول المدرجة كدول الشر لا تتعامل مع البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي وهي سوريا ، العراق ، ايران وكوريا . بعد احتلال العراق اصبح العراق مديناً لصندوق النقد الدولي بحوالي 155 مليار دولار في الوقت الذي كان للعراق فائضٌ بحوالي 40 مليار في ثمانيات القرن الماضي حين كان معدل الانتاج نصف ما هو عليه اليوم وكانت الاسعار اقل باربع مرات! أما الحرب في سوريا فستضطر الى الاستدانة لاعادة تأهيل بنيتها التحتية والفوقية المدمرة . أما ايران فحسب آخر تقرير للبنك الدولي فسيكون تأثير العقوبات التي لم يشهد العالم  لها مثيلاً تأثيراً هامشيا لهذه السنة وسيشهد الاقتصاد الايراني نمواً في السنة القادمة.

هل تستطيعون أن تحددولي من هي امبراطورية الشر في عصرنا هذا ؟

5-   الفساد الاداري

   اذا اردت خلط الحابل بالنابل فعليك بالفساد الاداري . سوء الادارة سواءً عن قصد أو جهل هو ذروة الفساد وتعيين المناصب القيادية العليا على اسس طائفية أو عائلية او عشائرية ولا تستند الى وصف وظيفي واضح هو افساد اداري . واذا كان تعريف الادارة بأنها الاستغلال الامثل للموارد البشرية والمادية فالفساد الاداري ينتج عنه الاستغلال الاسوأ لتلك الموارد فتصبح الطاقات البشرية والموارد الطبيعية نقمة على اهلها بدل نعمة لتصبح الدولة ومؤسساتها (كالحمار يحمل اسفاراً). ذلك فإن تولي العساكر الذين فشلوا في مجال تخصصهم وهو الحروب والدفاع عن الاوطان واستعمال موارد القوة لديهم لتنصيب أنفسهم كسياسين فاشلين يدمر بلادهم حتى ولو كانوا من اصحاب النيات الحسنة كما برهنت الاحداث خلال السبعين سنة الماضية في عالمنا العربي .

   إن الفساد الاداري هو من اهم اسباب تخلفنا .

 

                                                                                                                                     مستشار ومؤلف وباحث