الذين صمموا هذا الدور الذي تلعبه إيران في تخريب استقرار المنطقة كانوا يدركون منذ اليوم الأول أن استعداد إيران للقيام بهذا الدور لا يحتاج إلى أكثر من خطاب يقدمها كخصم، وفعل على الأرض يكرسها كقوة.
هذا ما يمكن أن يفهم اليوم من التصريحات التي يطلقها الرئيس الأميريكي ترمب ووزير خارجيته حول إيران، وما يتبع هذه التصريحات بعد ذلك من قرارات مجحفة بالقضية الفلسطينية وغيرها من القرارات التي تتجاهل طبيعة الصراع وأسبابه في منطقتنا العربية.. وهي تصريحات تبعث على الشك من أن الصراخ حول إيران من قبل الإدارة الأمريكية ليس سوى ذريعة لتمرير قرارات مجحفة بحق العرب وقضاياهم الرئيسية.
لا يمكن قراءة هذه العلاقة بين "القول" الموجه ضد إيران و"الفعل" الموجه ضد العرب، إلا بأنه يخدم إيران بالنتيجة.
ففي حين لا يطال إيران سوى رذاذ الكلام، فإن الفعل، الذي ينتزع حقوق العرب بتلك الطريقة، ويجعل من "خصومة" أمريكا لإيران غطاءً يخدم في الأساس إيران من خلال ما ترتبه هذه العلاقة من أثر سلبي على المشهد بأكمله.
هذا العمل لا ينم عن عفوية، كما يبدو لي، وإنما يتم بمنهجية غاية في اللؤم والخطورة، وعلى نحو يترافق مع تحويل الولايات المتحدة الأمريكية من قبل إدارتها الحالية إلى "قوة غاشمة" لا تلقي بالاً للقانون الدولي ولا لمسئوليتها كقوة عظمى في حماية هذا القانون من الانتهاكات.
المشهد مؤلم؛ وزاد من هذا الألم أن القضية اليمنية أصبحت مستقطبة في وضع يتحرك بميوعة نحو تكريس شروط لا توفر أي مناخ لحل يحقق السلام والاستقرار.
ففي الوقت الذي تتحدث فيه الإدارة الأمريكية عن خطر المشروع الإيراني في المنطقة، فإن أمريكا على صعيد آخر توفر الشروط المادية والمعنوية لدعم هذا المشروع بالعمل على إضعاف المكونات التي تواجهه على أكثر من صعيد.
ولولا هذا الوضع المائع الذي لا يرى من المشكلة غير ما تسمح به ضرورات الأمن الإسرائيلي، لما واصل المشروع الإيراني تحديه للإرادة الدولية في إيجاد حل للحرب في اليمن بتشجيع الحوثيين على مواصلة رفض مشروع السلام والتمسك بخيار الحرب وتدمير اليمن.
وسط هذا الكم الهائل من هذا اللغط الذي تضيع معه الحقائق والحقوق لا يجب على اليمنيين المقاومين للمشروع الحوثي- الإيراني أن يواصلوا التوهان في معارك جانبية لا يعني الاستمرار فيها غير ترسيم هذا الوضع بمزيد من الضياع.
فالاستعراض الذي قدمته المليشيات الانقلابية يوم أمس في قلب صنعاء، وتمسكهم بالحرب ورفض السلام، لابد أن يعني للجميع أن هناك من يصعد القضية ليجعل من اليمن حاملاً لمشروع كارثي يشمل دول المنطقة.
ومن هذ المعنى يجب أن تشتق سياسة متماسكة وموحدة وجديرة بكسر الانقلاب واستعادة استقرار اليمن ومعه المنطقة بأكملها.
* من صفحة الكاتب على (الفيسبوك)