بفضل الموقع الجيو - استراتيجي المطل على باب المندب والمحيط الهندي، من طبيعة الأمور ألا يكون اليمن بمنأى عن تداعيات المنطقة والعالم أجمع.
والحرب اليمنية التي بدأت في مارس (آذار) 2015 هي واحدة من أسباب هذا الاهتمام الإقليمي والدولي، والسجل التاريخي فيما يخص جنوب اليمن واليمن بصفة عامة يفسر دور بعض اللاعبين من القوى الدولية في محاولة استعادة موطئ قدم لهم فيه من جديد؛ من المملكة المتحدة التي استعمرت عدن لمدة 129 عاماً تبعها وجود الاتحاد السوفياتي فيها طيلة فترة الحرب الباردة والغزو الفارسي عبر التاريخ القديم فيما كان يسمى بالعربية السعيد والامتداد التركي في إطار الدولة العثمانية إلى اليمن... لن يكون من الصعب اكتشاف أي متابع أو محلل مدى ارتباط أزمة الأحداث في اليمن بتاريخه القديم والمعاصر.
فتطورات الأزمة اليمنية الأخيرة تبعث بإشارات متناقضة تعكس تماماً طبيعة الأزمة بتعقيداتها المختلفة؛ فهناك من جهة مؤشرات احتمال تفاقم الأزمة اليمنية وإمكانية اتساع نطاقها، ومؤشرات أخرى تنحو نحو إمكانية حل الأزمة.
هناك مخاوف من تداعيات أزمة العلاقات الأميركية - الإيرانية بقرار السلطات الأميركية تطبيق المرحلة الثانية الأكثر تشدداً من العقوبات الأميركية المفروضة على إيران مطلع مايو (أيار) المقبل، بإيقاف كلي للصادرات النفطية الإيرانية ورفع الإعفاءات التي كانت تقدمها إدارة الرئيس الأميركي ترمب لثماني دول؛ أبرزها الصين والهند وتركيا واليابان.
بدورها، هددت إيران بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي في الرد على تشديد العقوبات عليها، وذلك بإغلاق مضيق هرمز على صادرات نفط بعض دول الخليج العربية، إذا جرى منع تصدير النفط الإيراني.
إضافة إلى تلك التهديدات المتعلقة بإغلاق مضيق هرمز، يخشى أن تحاول إيران إغلاق مضيق باب المندب في مدخل البحر الأحمر وتهديد الملاحة الدولية ومنع صادرات النفط أيضاً عبر المضيق وتنظيم هجمات ضد السفن الأميركية، مستعينة بذلك بجماعة أنصار الله الحوثية حليفتها في الحرب اليمنية! وربما ليس من قبيل الصدف إطلاق الحوثيين عمليات عسكرية في الضالع ولحج في جنوب اليمن ونزوح الآلاف من الإثيوبيين الشباب مهاجرين إلى عدن يعتقد أنهم تم استقطابهم مرتزقة من قبل الحوثيين أنفسهم لإرباك الأوضاع الأمنية في داخل العاصمة المؤقتة لليمن، ما قد يستدعي ذلك سحب قوات المقاومة الجنوبية من الحديدة في الساحل الغربي من اليمن ومن عمق أراضي الشمال في صعدة.
وما زاد الطين بلة أن الناطق الرسمي باسم الميليشيات الحوثية أعلن بصريح العبارة قبل أيام قليلة أنهم سيتجهون إلى الجنوب لتحرير الجنوبيين، كما أشار إليه وفق تعبيره، ممن سماهم «الغزاة»، ويقصد بذلك قوات التحالف العربية، ويمثل هذا التصريح امتداداً لتبريرات سابقة لغزو الجنوب مثلما حدث في حرب 1994 تحت اسم محاربة التكفيريين لكون النظام السياسي حينها نظاماً علمانياً ذا توجه اشتراكي! وبرر الغزو الثاني للجنوب في 2015 من الحوثيين وتحالفهم مع جماعات الرئيس السابق علي عبد الله صالح بالحرب ضد الدواعش و«القاعدة»، وفي الوقت الحاضر هناك رؤية أخرى مختلفة في الاستراتيجية عن سياسة الحوثيين نحو الجنوب، وإن كانت متفقة معهم في أهدافهم بالسيطرة على ثروات الجنوب وموقعها الاستراتيجي بتبني أحد المقربين للشيخ حميد الأحمر العضو البارز لحزب الإصلاح الإسلامي في مطالبته الحوثيين بألا يهاجموا الجنوب واتباع سياسة أخرى تتمثل في الزحف على الجنوب نزوحاً وليس مقاتلين لتثبيت الوجود الشمالي، حسب تعبيره، بشكل غير مسبوق، حتى إذا قرر الجنوب فك الارتباط مع الشمال سيصعب عليه ترحيل ملايين النازحين، ما سيساعدنا مرحلياً في التحرك دولياً، وهذه التصريحات هي في الواقع امتداد لمواقف سابقة لأحد قيادات حزب الإصلاح الذي دعا بعد حرب 1994 إلى توطين مليوني يمني شمالي في الجنوب ضمان عدم انفصاله عن اليمن، وهنا تتضح تعقيدات الموقف في الداخل اليمني الذي يظهر أحياناً في شكل صراع يمني داخلي، وأحياناً أخرى يستغل هذا الصراع من قبل قوى إقليمية كإيران من جهة لتهديد المملكة العربية السعودية والأمن القومي العربي، وتركيا - وقطر من ناحية دعم أحزاب الإسلام السياسي كحزب الإصلاح اليمني الذي فتحت تركيا له الأبواب على مصراعيها في الإقامة فيها وتوجيه حملاته الإعلامية من إسطنبول وعبر قناة «الجزيرة» في قطر ضد دول التحالف العربي.
وقد صاحبت هذا التصعيد العسكري من قبل الحوثيين في المناطق الجنوبية بعد توقف الضغط عليها في الحديدة، تهديدات القيادي الحوثي البارز رئيس ما تسمى «اللجنة الثورية العليا» محمد علي الحوثي في تغريدة له على «تويتر»، «بتفريغ مليون برميل نفط خام في البحر الأحمر المخزون في سفينة صافر العائمة في ميناء رأس عيسى في الساحل الغربي من اليمن».
أمام هذا المشهد القاتم، رأى البعض أن انعقاد مجلس النواب اليمني في مدينة سيئون الحضرمية في شرق اليمن بعد سنوات من الغياب وإعلان تكتل سياسي باسم «التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية» من منطلق أن هذا التكتل الكبير الأول من نوعه منذ انقلاب الحوثيين على السلطة في سبتمبر (أيلول) 2014، يهدف إلى وضع الحوثيين في عزلة ويشكل حصاراً اجتماعياً وسياسياً عليهم ويدفع باتجاه استعادة الدولة وتحقيق السلام، وفق تصريح اللواء الدكتور رشاد العليمي مستشار الرئيس اليمني لصحيفة «الشرق الأوسط» الذي اختير رئيساً للتكتل الجديد.
واستغل الرئيس هادي في كلمته في افتتاح جلسة مجلس النواب بالتأكيد على أن الشرعية تهدف لإنجاز سلام شامل وفق المرجعيات الثلاث، داعياً المجتمع الدولي للتصدي لمماطلات الحوثيين في مباحثات السلام.
ولعل انعقاد لقاء المجموعة الرباعية الوزاري بشأن اليمن في لندن، التي تضم السعودية والإمارات والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، يصب في هذا الاتجاه لإحياء مساعي السلام؛ بدءاً من العمل على تنفيذ اتفاق الحديدة قبل 15 مايو المقبل، الذي يوافق انعقاد الجلسة المقبلة حول اليمن في مجلس الأمن الدولي.
ومن الواضح اختلاف المواقف والمصالح للقوى الإقليمية والدولية؛ طرف يحاول توتير الأوضاع في اليمن ممثلاً بإيران والحوثيين، وطرف آخر يسعى لتنشيط مساعي السلام، لأن فشل الأمم المتحدة في هذه المهمة ستكون له عواقب وخيمة للمنطقة والسلم والأمن الدوليين من جهة، ومن جهة أخرى زيادة المعاناة الإنسانية لليمنيين.
هل يمكن التفاؤل بإحلال السلم أخيراً؟ أم أن الأمور ستزداد سوءاً وخطورة؟ وللأسف يمكن القول إن الافتراض الثاني هو الذي سيتحقق، ما دامت هناك صراعات إقليمية ودولية على اليمن والمنطقة العربية بصفة عامة.
ولهذا قد يظهر شهر مايو المقبل أياً من الافتراضين السابقين سيتحقق؛ إما ارتفاع درجة التوتر في اليمن والمنطقة في حال تنفيذ إيران تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز وتهديداتها بإغلاق باب المندب أيضاً، وإما نجاح مساعي السلام بتحديد اجتماع «الرباعية» تنفيذ اتفاق الحديدة قبل 15 مايو موعد انعقاد مجلس الأمن.