الشيخ سعيد بن أحمد باعبود العمودي مسيرة عطاء يُخلدها الزمن بماء الذهب ( 1912م _ 2008م )

من الصعب ان نجد شخصية تعبر في مكنونها بين الحزم والليونة والانفة والتواضع و الشفافية والصدر الرحب وجمعت بين الاصالة والمدنية المنبته على الأخلاق القيمة ونور العلم.

لن نجد مثل هذه العينة من الناس الا في سير العظماء .. المخلصين .. المعطائين .. المتشبعين بأخلاق رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة والسلام الذي قال ( إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق ) ، فكل من يقراء سيرة حياة الشيخ باعبود العمودي فانه سيجد ما يريده من حياة الرجال النبلاء ذوو الصفات الأصيلة.

ومن يعرف الشيخ العمودي وعايشه في حواري و أزقة حي الطويلة بمدينة كريتر التاريخية يعلم مدى تشبعه بالأخلاق والقيم السموحة وتمسكه بمبادئ وتعاليم الدين الحنيف الذي تشبع منه منذ نعمومة أظافره بين أوساط أسرة ال العمودي الذي ينمتي اليها المعروفة بأسرة العز والكرم الذي تفرعه جذورها بكل ارجاء المعمورة.
 
فهو من اقدم سكان مدينة كريتر ومن أعيانها و وجهائها وله تأثير بالغ عند اهالي المدينة العتيقة بمختلف شرائحها وطبقاتها ؛ حيث يحظى بمحبة واحترام كل من عاصره من ابناء جيله والأجيال التي ولدت ونشأت امام ناظريه.

عُرف الشيخ سعيد رحمه الله بمواقفه المشرفة التي خُلدت في نفوس ابناء المجتمع العدني ، فقد كان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر لايخاف في الله لومة لائم ولابطش جبار لا يعرف التكبر ولا التجبر على البشر ، بل كان متواضعاً ودوداً كريماً جوادً زارعاً لثقافة التصالح والتسامح المجتمعي ووصل الأرحام.

من هو الشيخ سعيد العمودي ؟

هو الشيخ سعيد بن أحمد بن عمر آل صالح باعبود العمودي من مواليد عام 1912م بوادي دوعن في حضرموت ، انتقل الى مدينة عدن الغراء في العام 1926م وعمره حينها لا يتجاوز الخامسة عشر عام ابان فترة حكم الاستعمار البريطاني حينما كانت عدن تتمتع بتقدم ورونق حضاري بين نظيراتها من مدن الجزيرة العربية وعاش فيها حتى وفاته بالعام 2008م.

تلقى تعليمه في احدى دور ( الكتاب ) من احد شيوخ العلم الذي حفظ على يديه القران الكريم وتعاليم الدين الحنيف بوادي حضرموت ، وعلى الرغم من انه لم يلتحق باي مدرسة تعليمية الا انه كان يجيد اللغة الانجليزية بطلاقة لاحتكاكه بالانجليز في مدينة عدن التي عايش فيها كل المراحل والانقلابات التي مرت بها البلاد بما فيها الحرب العالمية الثانية التي كانت تعرف في عدن بحرب ( الطلياني ) وتكوين الاتحاد الفيدرالي للجنوب العربي وتشكيل المجلس التشريعي في عدن و كل مراحل القوى والضعف والصراعات التي مرت بها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية و كذلك الجمهورية اليمنية بعد توقيع اتفاقية الوحدة بين الشطرين الشمالي والجنوبي في عام ١٩٩٠م حتى وافته المنية داخل منزله المتواضع الكائن بحي الطويلة بكريتر في يوم الأثنين بتاريخ 4 / رجب 7 / 1429 هجريه الموافق 7 / يوليو 7 / 2008م ، عن عمر يناهز السادسه والتسعين وهو بكامل صحته ، وعند وفاته رحمه الله خرجت كريتر عن بكرة ابيها في موكب جنائزي مهيب لتوديع صاحب هذه الشخصيه الطيبة الذي احبهم وأحبوه وتم موارات جثمانه الطاهرة الثراء بمقبرة ( العيدروس ) بجانب مسجد العيدروس.

وقد تسنى للفقيد الانخراط في صفوف قرانأه من الثوار في الدفاع عن الوطن في حرب التحرير ضد المستعمر البريطاني حتى جلاء اخر جندي له من العاصمة عدن في ال٣٠ نوفمبر المجيد من العام ١٩٦٧م ، ووبطبعه رحمه الله كان لا يحب التفاخر او الظهور إعلاميا محتسب كل ما يقدمه من نضال لله ثم للوطن.

حياته الاجتماعية ..

كما أسلفنا ان الشيخ كان دؤوباً على فعل الخير وخدمة الناس بدون تذمر او مماطلة وهذا ليس بجديد على شخصه النير واصله الخير وظل كالشجرة الطيبة التي اصلها ثابت في اﻷرض و فرعها عاليه في السماء ، فقد كان رحمه الله تغشاه ناعم الطباع وكريم النفس كما يقول عنه أصدقاؤه المقربون ، يتمتع “بكريزما” حضرمية حتى النخاع و منزله مفتوح للصغير والكبير من ابناء حضرموت ( دوعن وحجر ) الذين يترددون على زيارة مدينة عدن لقضاء بعض حاجياتهم دون ان ينظر الى مستواهم ولا انتمائهم ، كما ان الكثير من ابناء مدينة كريتر بمختلف أعمارهم يعتبرونه الاب الروحي والموجه لهم في حياتهم ودائما ما يترددون عليه بالمكان الذي كان يحب قضاء وقته فيه ويطلبون منه النصح والإرشاد في أمورهم الخاصة لما استلهموه منه من دماثة الأخلاق وسلاسة في التعامل بمنتهى التواضع و الطيبة.

أما في أحداث 13 يناير المشؤومة على الجنوب بعام 1986م احتضن منزله العامر العديد من ابناء ” لودر وموديه من آل السقاف وآل قنان ” تحديدا الذين كانو يسكنون في حي معسكر 20 بمدينة كريتر فقد كان منزله العامر مفتوح امام كل من حاولت أيادي الرفاق البطش بهم ولم يتجرء أحد منهم أن يقتحم منزل الشيخ سعيد لما يحظى به من احترام وتقدير الجميع ناهيك عن احترام الاطراف المتصارعة بالفتنة التي نشبت بين رفاق الحزب الاشتراكي آنذاك وخسر الجنوب ما لايمكن ان يخسره اي جيش او اي دولة من كوادرها ، فسمعته واسمه ارتبطا بالحيادية والوطنية وعلاقاته الطيبه مع الجميع ولكون منزله يقع بموقع آمن بحول الله ، ولا يزال الأهالي يتذكرون هذا الجميل الى اليوم ويسألون الرحمن ان تكتب هذه المواقف في ميزان حسناته { فمن أحياها فقد احياء الناس جميعا ومن قتلها فقد قتل الناس جميعا } ومن قام بفتح منزله امام من يلجؤون لهم بمثل هذه المواقف أناس قليلين لا شك إنهم أخير وأشجع البشر.

حياته الأسرية ..

تزوج الفقيد من أربع نساء في حياته ثلاث منهن لم يكتب الله له ان ينجب منهن والرابعة أنجب منها بمشيئة الله وقدره وهي السيده أم أحمد ابنة الشيخ عمر سعيد بالشدف باعبود العمودي الذي تزوجها في عام 1973م وعاش معها حتى وفاته ، وله منها ثلاثة ذكور وثلاث إناث ، وأسمائهم بالترتيب :- 1- اﻷستاذ / أحمد ، 2- السيده / أم وعد ( زوجة اﻷستاذ / خالد عبدالله بامغرف العمودي ) ، 3- اﻷستاد / محمد ، 4- السيده / أم محمد ( زوجة الشهيد المهندس / عبدالرحمن محمد باكريم العمودي ) ، 5- الملازم / عادل ، 6- السيده / أم سعيد ( زوجة الدكتور / أنور عمر سعيد باخيل العمودي ).

وكان أمله برب العباد يكبر يوماً بعد يوم وهو يرى ابناءه يكبرون وتكبر معهم متطلبات حياتهم فقد عاش طول عمره رجلاً عصامياً يسعى لتوفير لقمة العيش الحلال و رغد الحياة لهم ولهذا ترك في أفئدتهم حزنا عميقا لانهم فقدوا المعين والموجه لهم ، فعندما يفارق المرء اباه بشكل عام فقدان الأب يترك في النفس أثرا كبيرا لا تغيره ملامح السنين.

وأخوال الشيخ سعيد هم آل باخشوين السيبانيين واحد أخواله من أشقاء والدته هو الشيخ محمد سالم باخشوين السيباني رجل البر واﻹحسان صاحب الأيدي البيضاء الشخصيه الحضرميه المعروفه في مدينة ممباسا في أفريقيا المذكور في كتاب أدام القوت في ذكر بلدان حضرموت صفحة 98 وأنظر إلى الخال يأتيك الولد.

ونختم بالإشارة الى أن الشهيد المهندس عبدالرحمن العمودي الذي اغتالته أيادي الغدر في مدينة عدن في يوم اﻷحد بتاريخ 21/4/1437 هجريه الموافق 31/1/2016م بمدينة الشيخ عثمان بشارع التسعين بالقرب من جولة السفينه ، هو زوج إبنته وهي ام محمد اﻹبنه الرابعة في ترتيب ابناء الشيخ سعيد رحمة الله عليه واسكنه فسيح جناته.

فان مات الانسان لا ينقطع عمله من ثلاث ذكرها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف : ( لا ينقطع عمل ابن ادم الا من ثلاث …. الخ ).

وان ماتت أرواحهم لم تمت فضائلهم ومكارمهم فينا