العمر يمضي كالقطار ويتوقف في محطات الأنتظار كل يوم وكل ساعة من اللحظة التي يدرك فيها المرء الأشياء ولا يفطن...والعمر ينسرب منه كما تنسرب الماء من بين أصابع اليد ، وأن نصف عمره أوثلاثة أرباعه قضى على قارعة الأنتظار ، فالطفل في حالة أنتظار لايدركها ، ولانه يمر بها حتى يدرك معنى الأنتظار ، ويعبر عن ضيقه من تأخر الأشياء التي يحبها بالبكاء....
تمضي سنوات البدايات الاولى وهو ينتظر دخول المدرسة ينتظر أجازة نصف العام ثم ينتظر الاجازة الصيفية ، حتى وهو يستمتع بأجازته مشرقا او مغربا ..لا يغادره هاجس الأنتظار !! أنتظار العودة وبداية العام الدراسي الجديد ثم ينتظر وينتظر فرصة العمل فان وجد ينتظر أول راتب وفي غمرة فرحه لايفطن أنه بعد أيام سيصبح هواء منشور !! وحركة الانتظار لاتنتهي....
وتبدأ رحلة البحث أو أنتظار جديدة وهي رفيقة الدرب {العروسة} شريك الحياة ، والبنت تنتظر الخطاب وكلما تأخر الأمر تشتد وطأة الأنتظار لكنها بشكل قاسي...ثم تبدأ رحلة الأنتظار لرحلة الولادة والمولود، ثم نسأل الامهات عن ليالي السهر والمعاناة ولوعة الأنتظار لأول سن وأول خطوة وأول كلمة .
وفي الحركة العامة للحياة تنتظر وسط الزحام وفي أشارة المرور وفي المطار تقف طوابير طويلة لأنجاز معاملة وكلنا يرتدي ثوب الصبر في الأنتظار للموظف وبائع الخضار وفي صوالين الحلاقة.........الخ
وتنتظر غائبآ أصابك الشوق لرؤيته...عيناك تنتظر وربما قلبك يهفو للحبيب وضمه وشمه....كما يقول.. الفنان الراحل /محمد سعد عبدالله في احدى روائعه (أنا في أنتظارك) ويقول الشاعرالعربي الراحل محمود درويش : هو هذا الانتظار الأجمل
(( وفي الأنتظار يصيبني هوس يرصد كل الأحتمالات الكثيرة ربما نسيت حقيبتها في القطار وربما أنشغلت بأمر طارئ او رحلة نحو الجنوب كي تزود الشمس)).
ويقول نزار قباني:
((سئمت الانتظار..ولعبتي مع النار لم تبقى سوى دقائق خمس وتغرب عن سماء حبنا الشمس تنتظر وتنتظر ويمضي العمر في سلسلة طويلة من حلقات الأنتظار))...
فزمن الانتظار ، زمن مستهلك في اللا جدوى ، أي زمن مهدر ومع ذلك أنت مرتهن كلية لذلك الشيء الذي تنتظره .
فالعقل مشغول ، والذهن مشتت ، والجسد مشدود ومتوتر ، يمكن ان تكون دقائق ، ساعات ، أو يومآ أو أيامآ لكنه في نهاية الأمر...............أنتظار
*وفي الختم...وخاطرة الانتظار أذكر هذا:
مشيناها خطى كتبت علينا
ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كانت منيته بأرض
فليس يمت في أرض سواها