هذا الأبيني .. يعشق عدن

من نافذة الزمن البعيد -القريب ليثير فينا شجون الطفولة والشباب .. وحب وعشق عدن وأهلها ولهجتهم الحلوة بحلاوة الآيسكريم  الذي يباع على متن ( الدراجة- العربة ) متنقلاً بين الشوارع و الحارات. وايضاً أناقة ملبسهم ،وطيبة قلوبهم وشفافية روحهم ،وجمال أغانيهم.. نعم نعم  هم كذلك .. عشقت.. عشقت عدن طفلاً حلماً .. وواقعاً عندما كبرت.
فعندما كنّا  أطفالاً  ويأتي أحد من أقراني الأطفال بفعل جميل أو حركة جميلة أو عبارة جميلة او يلبس جديد او نظيف كانت الشّلة تنادية "إيييهييه! كما اصحاب عدن".
وإذا تأخر أحدنا عن موعد بدء لعبة (يتناتشه) الآخرون لتأخره عن الموعد فيرد عليهم ساخراً منهم (نعم جيتو من عدن )كنايه عن إحترام أهل  عدن وإلتزامهم بالمواعيد.
أمّا اذا زار أحدنا عدن برفقة أحد من أهله فعند عودته نعمل له زفّه طفوليه طويله عريضه ولا في الخيال مصحوبه بأصواتنا (جاء من عدن-جاء من عدن). وهو بيننا مثل الطاؤوس يمشي نافشاً ريشه غروراً . ليش لا.. فصاحبنا زار عدن ثم تخصص له بقعه ترابية في وسط دائره بشريه تحيط به مكوّنه مننا نحن (أصدقاء الطفوله). ليحكي لنا بما رأى و شاف في عدن . فيسترسل هو في الحديث -بينما يخيم  الصمت علينا  ويذهب كلٍ منّا سارحاً بخيالاته إلى أبعد  مايقول .
بعضنا فرحاً بما يقول و البعض الآخر حاسداً لهُ لأنه زار عدن..
من بعدها أغادر إلى البيت متقمصاً شخصية ذاك الذي زار عدن محملاً أنا بكل الخيالات حباً في عدن..
( على فكره  وبالمناسبه كنّا إنتهازيين بعض الشئ مع الذي يزور عدن فبعد عودتة نركّب له مصحبه لمدة يومين أو ثلاثة أيام حتى نخلّص  على هداياه وألعابه التي أحضرها من عدن خاصة ((الفتاتير))(فنطمشه) إياها ونقوم  بالإحتفاظ  بها كل حسبً  حصيلته في قصاع (علب ) لبن نيدو نيستله أو داتش بيبي المشهوره في ذلك الوقت  وبعدين  نقول له: مع ورور و(.....) الأعور.
نحن معذورون ياجماعه يستاهل  من قال له يزور عدن ونحن لا!!).

نعم ياباشا: إنها   عدن في الزمن الجميل سكنت وجداني  وقلبي .. إنها الأنضباط ، الذوق، الرفاهية، الأناقة ، إحترام إشارة المرور ، تبجيل المعلم ، وهيبة  العسكري ... وكان العسكري زمان بعبع 
نخوف به الأطفال والمشاغبين..
أمّا حالياً مسكين رحمة الله  عليه .  نقول للطفل : أسكت.. أهجع وإلا باجيب العسكري  فيرد عليك  وقد أخرج ومّد لسانه من بين اسنانه في صوت ظ ظ ظ ظ  ."ضرطه" ويقول في تهكم:
:(والله ضحكتيني وأني مريضه) # راحت عليك ياعسكري!!  .

نعم ياباشا :- إنها عدن وأغاني اذاعة عدن الصباحية التي شنفت الآذان ولامست القلوب الرطبه الطريه بألحانها الجميله الشجيّة،مصاحبه لنا عند ذهابنا إلى المدرسه حاملين كراستنا وأقلامنا وأحلامنا  وباصات النقل البري  في إنتظارنا لتحملنا مجاناً إلى المدارس .
فهاهو أحمد قاسم يترنم  والكورال يغني معه بأصواتهم الرقيقه ..

 

مرحباًبالصباح الشروق الجميل 
والحمام الفصاح في حقول الرياض وقوقوا      وقوقوا..


فتحلق بها بعيداً  أغنيه  كرامه مرسال الحماسيه للجنود والعّمال 
.
دقَّت الساعه هيا إلى العمل يابني  قومي دعونا من الكسل 
قدمضى عهد التأني والكسل .
أعملوا بالله ... يالعاملين.

أكيد ، إكيد  لحنها يتردد في آذانكم.
تمر لحظات فاِذا بالعطروش يصدح في حماسه للصيادين ..
هيب ، هيب، هيبه، هيبه
ياسواعدنا القويه -             يا قواربنا النديه بالمجاديف كربجوا الأمواج كرباج
لتدلف بعدها فتحيه الصغيره بإشراقه صباحيه جميله.

 دق القاع دقه .. لا تجهب ولا.
شق البحر شقه  .. مادامك حلا..
ولن يطول بك الانتظار كثيراً في سماع أغنية كارم محمود "مصر".
إن لم أكن مخطئاً.. باسم الفنان وبكلماتها الرائعه.

على شط البحر الهواء.. رسيّت مراكبنا
والشوق جمعنا سواء..إحنا وحبايبنا.

إنها صباحيات عدن 
التي لاتختلف عنها
صباحيات أبين ،لحج، شبوه، حضرموت و المهره في ذاك الزمن الجميل ..
ثم يعلن مذيع الربط الاذاعي في الفترة الصباحيه عن موعد تقديم برنامج (من غير عنوان ) تقديم المذيع المتألق دوماً صاحب  الصوت الرخيم "جميل مهدي " في موعده الساعه  السابعه والربع صباحاً ...
فعلى طول نعلم أنه لم يتبق من وقت دق الجرس للطابور  الصباحي في المدرسه الأ ربع ساعه فقط..


ياباشا عدن تلبستني حُبَّاً في طفولتي .. وأحلاماً راودتني في المنام واحلام يقظه مركبه على ما يوصف  لي 
زائر عدن فتملكت كل جوانب مخيلتي.
كانت عدن حلماً لم يتحقق لي رؤيتها واقعاً إلاّ في العام الدراسي.. 75/74م.
وكنت في مرحله السادس أبتدائي في الكود / أبين 
حيث نظمت مدرستنا رحله طلابيه سياحيه علميه إلى مدينة عدن فكم كانت فرحتي كبيره بذلك .. فبدأت  أعد الإيام تنازلياً لذلك اليوم المرتقب.
هاهي عشقي تدنو مني ، هاهي عدن سأراها رؤيه عين لا وصفاً .
وجاء اليوم الموعود فتم حشرنا في السيارات اللوري ذات البودي  الخشبي .. إني اتذكرها اللحظه..احداها تابعه لمركز أبحاث الكود.. والأخرى لمحلج القطن الكود.
 تحرك الموكب إلى عدن.. نبضات قلبي بدأت في الأزدياد لا خوفاً ..ولكن مهابةً  وفرحاً  وعشقاً بلقياء معشوقتي .
أليست  من أحب هي عدن ؟!
بدت لي الطريق الساحليه أبين /عدن  طويله جداً  وقد إستلقت عليها 
الطريق الأسفلتيه كثعبان الاناكوندا الامازونيه السودا بالتواءاتها ومنحنياتها إخيراً وصلت إليك ياعدن . فأستنفرت كل حواسي  وبدأت التركيز (Focus) حتى لا يفوتني شيئ من تلك المناظر التي كانت تمر علينا أثناء سير سيارات الرحله في شوارع عدن وصولاً إلى  مقر الإقامه والسكن ..
 وحتى لا يتباهى على أحد من أقراني الطلاب بعد ذلك بمعرفة  عدن لوحده فقط ..
كنّا (نتداحش) نتزاحم في حُب على متن اللوري بقصد  السبق في الحصول على مكان مناسب للرؤيه من الجوانب الخشبيه للسياره اللوري..
ياااااه... يااااااه. كل ذلك لأملاء عيوني برؤية عدن .. وكان لي ما حلمت به ليلاً
في النوم ، وما حلمت به يقظه.. 
ولكن الفرق كان شاسع بين الواقع وما حلمت به.

فمعشوقتي اجمل وأحلى بكثير . نظيفه مرتبه بشوارعها  وبيوتها المتراصة      في إنتظام (تخطيط مدني )..
إمّا لهجة أهلها"إندكو . فقد سمعتها لأول مرة في حياتي  وهذه 
حقيقه  من أحد أطفال عدن خرجت 
كلمة "إندكو" من فيه (فمه )  لذيذه طازجه وذلك عندما سأله أحد زملائي الطلاب  في الرحله عن غرض ما فكانت  الإحابه ""إندكو""
ما أحلاكم  يامن تنطقون " إندكو" صغاراً وكباراً  ...
هكذا  سكنني حب وعشق عدن منذ طفولتي حتى بلغت سن الشباب  وحالياً (شيبه)! ! ! .
ربما وأقول ربما أن هذا العشق تجسد وعظم  في داخلي منذ فترة  الشباب وإنتقالي إلى الدراسه  الأعداديه و الثانويه التي أنهيتها  في 81/80م  في ثانوية زنجبار .. من خلال تأثري بالمعلمين و المعلمات  القادمين من عدن لتدريسنا  في أبين .. فقد كانوا نعم السفراء لمدينة عدن منهم من جاء بعد تخرجه من كلية التربيه / عدن ) ومنهم من جاء ليقضي  فترة الخدمه الوطنيه تدريساً كما كان الحال  حينها واذكر منهم المعلمون الأفاضل:-
- نديم محمد . مادة العلوم كيمياء
-فيزان عبدالغفور. مادة الفيزياء
-مبارك سالمين ..مادة فلسفه
- احمد نور .. مادة إنجليزي..
المعلمات الفاضلات ..
- ناهد حسن خان .. إنجليزي ..
- آسيه عولقي.. لغة عربيه..
-شمعة حسين .. أحياء..
وغيرهم كل هؤلاء كان لهم تأثير كبير في دراستي وحبي لأهل عدن . فقد كنت أقف مشدوهاً حين اسمعهم يتحدثون بلهجتهم  العدنيه في فترات الأستراحه بين الحصص ، أو حين يشرحون  لنا الدروس  في الصف .. وأبقى مبهوراً فيهم  أعجاباً بطريقة كلامهم ، بأناقتهم ولبسهم  السراويل  الشارلستون  فتحه 18 أو20... موضة ذاك الزمان!!

من حُسن حظي  أنني أديت فترة  الخدمة العسكرية في 81/9/20م---83/9/20م
الدفعة"11"في عدن  في الخدمه العسكريه  مسلسل  برقم عسكري 3936/11/3 (أبين)
 ولسنتين متتاليتين
فزادتني قرباً  وإلتصاقاً  وتشبعاً بحب عدن، وأصدقاء عدن -فتعرفت فيها  على معظم شوارعها ومعالمها  وحاراتها ومكتباتها ... ومتنزهاتها وشاهدت معظم الأفلام الهنديه في دور سينما عدن للابطال .. شاشي كابور- راجيش كومار -هيمامالين دهرمندر ، إيمتاب باتشن  وغيرهم...


للّه دركم يأهل  عدن 
ويا أبناء عدن كباراً

وصغاراً وأخوة وأخوات وأباء وأمهات وزملاء وزميلات  ومعلمين  ومعلمات..

وعندي المزيد لأقوله  في عدن،  ولكنني خشيت عليكم الملل.
والله إني أحبكم   أحبة الزمن الجميل في هذا الجروب الرائع  ولأ أستثني  منكم أحد.
 
*الشهير بكنية "دوشن ابين"
ٍ