يتساءل الكثيرون بشكل جاد عن مستقبل البنوك المصرفية في ظل ازدهار العوالم الرقمية وما تفرضه سياقاتها من تعاملات مالية بديلة منها إلغاء مركزية الطرف الثالث بنوك وشركات صرافة، كما تشمل استبدال العملات الورقية بأخرى إلكترونية وتشمل أكثر من ذلك.
ولعل الإجابة عن مثل هذه التساؤلات واضحة من سياق السؤال نفسه، حيث إن البديهي في الأمر أنه إذا كان رأس المال في الاقتصاد الثالث والأصول الاقتصادية الذي يعتمد عليها هو المال فإن عصر المعرفة يفرض رأس مال آخر هو الرأسمال البشري أي فكر الإنسان وابتكاراته، وهو بالضرورة لا بد من تحول البنوك المصرفية المالية نحو هذا التوجه والعمل في سياق رأسمال الفكر والابتكار.
وكنظرة استشرافية لما بعد الذكاء الاصطناعي نجد أن كل البنوك المالية ستعمل في مجال ابتكارات الإنسان وأفكاره فيكون لكل فكرة ثمن يمكن تنميته من خلال هذه البنوك.
ستتعزز منظومة القوانين الخاصة بالملكيات الفكرية إلى أعلى حد، وكما يبدو فإن ازدهار هذا الشكل القانوني مرتبط بالضرورة بسياقات المعرفة فهو الحامي لها والمرتبط بتفاصيلها.
من ثم ستزدهر بالتزامن مع ذلك الأرضيات الثقافية التي تعمل فيها منظومة هذه القوانين الحامية مع ازدهار كبير لجمعيات رعاية الموهوبين التي سيكون الاعتماد عليها في تغذية هذا المسار الذي يعتمد على رأسمال الفكر الإنساني وإبداعات أبناء المجتمع، وفي السياق ذاته ستنمو الحاضنات الابتكارية نظراً لزيادة الطلب على السلعة المعرفية، وهذا بدوره سيشكل المضمار الحقيقي الذي ستلعب فيه البنوك دوراً عظيماً، فمنذ الآن بدأت البنوك المصرفية بالتفكير في هذه المسارات التنموية والتفكير في مستقبلها، حيث يتم حالياً استحداث أقسام خاصة بالابتكارات والأفكار فيها لتكون هذه الأقسام مستقبلاً هي عمل البنوك ومجالها.
المؤسسة التعليمية وجمعيات رعاية الموهوبين والبنوك الفكرية والحاضنات الابتكارية كل هذه المكونات ستكون الرافد الاقتصادي الذي يقوم عليه الاقتصاد لدى أي دولة تنهج نهج الاقتصاد المعرفي، وهي القواعد الأساسية التي ستتشكل من خلالها هيئة الدولة ونظام المجتمع، كما أنها هي الأساس الذي ستصاغ بناءً عليه منظومة القوانين في المجتمع بما فيها قوانين الملكية الفكرية وحقوق الأفراد المرتبطة بهذا التوجه.
ستعمل البنوك الفكرية في حقول واسعة من حقول المعرفة وستركز استثماراتها بشكل كبير على مجالات كالماركات التجارية والصناعية، وكذلك على الابتكارات التي تخدم البشرية في كل المجالات العلمية، وسيكون لها استثمارات واسعة في مجال تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة القائمة على المبادرات الفكرية الفردية والشبابية، فذلك مما يخدم سمعتها ويعزز الثقة في التعامل معها.
إن الانشغال الحاضر الذي يمنع ازدهار هذا المجال بالنسبة لمعظم المؤسسات الاقتصادية يكمن في بطء تطوير قوانين الملكيات والحقوق التي تخدم هذا التوجه، ولعل الحديث عن قوانين الملكيات والحقوق الفكرية مهم جداً في هذا التوقيت بالذات، وهو ما سنفرد له مقالاً مقبلاً لتناوله. وللحديث بقية.
*مستشارة اقتصاد معرفي