ابن الكلب

                                                               

كنت الاخير بين اخوتي الخمسة وبالتالي فانا الطفل المدلل ، مسموع الكلمة عند والدي بالذات ، اما والدتي فكانت تضربني بين الحين والآخر ، لانني كما كانت تقول بلهجتها العدنية المحببة ( جاهل مدلع قليل الأدب لسانه زي مقص المحلوي ) ، كنت افتعل المعارك مع اخوتي او مع عوض ابن الجيران وحين يشتكى بي احدهم ، كان شاهدي انور ابن جارنا الأخر جاهزا للشهادة لصالحي، والا فلن يسلم من ضربي له .

    كنت المح سعادة غريبة في عيني والدي حينما اتشاقى واغلظ بالحلفان انني برئ . كان يبتسم ويقول وانا اصدقك ، ابني لايكذب ظللت انعم بهذا التدليل ملتصقا بوالدي ارافقه عند ذهابه لشراء الخضار او القات ، وفي كل خروج كنت اعود بغنيمة مما تتمناه نفسي ، مفاخرا بها اخوتي ومثيرا غيرتهم مني ورافضا ان اعطيهم منها حتى قليل القليل ، الا اذا تدخلت والدتي واخذت غنيمتي من يدي ووزعتها بيننا فارفض وبعد جولة من البكاء غير المجدي استسلم واقبل بنصيبي مهددا اخوتي باشارات من يدي بانني سانتقم منهم لاحقا .

     والدي كان موظفا محدود الدخل ، لكنه كان يجتهد كثيرا ليوفر لنا اساسيات الحياة ، وفي يوم استلام المعاش كان يذهب مختالا الى الجزار ليشتري لنا مايسميه هو ب ( لحم ) ، بينما الحقيقة انه كان يشتري لنا ( الكوارع )، وكان الجزار يحترمه فيعطيه كمية اضافية معلقا ( خذ مايغلى عليك يابو علي ، انت صاحب جهال وتستحق كل خير ) كنا نعود للبيت مفاخرين باننا سنتغدى لحمه ، والحقيقة انني لم اكن افهم الفرق بين اللحمة والعظمة ( الكوارع ) .

   ولكن في اخر مرة رافقت بها والدي الى الجزار تذكرت ان الاستاذ في المدرسة علمنا ان الكلاب هي من تاكل العظام ، فطراء سؤال في بالي ، نحن دائما ناكل العظام فهل نحن كلاب، ظل السؤال بلا اجابة الى ان عدت مع والدي من عند الجزار بعد ان حظينا بكمية محترمة من العظام ، كنت اسير ممسكا يد والدي ، رفعت راسي ونظرت اليه وقلت ( بابا ) ( نعم ) بسالك سؤال     ( اسال ياحبيبي ) ( هل انت كلب ) استغرب والدي السؤال ، وبحنانه المعهود التفت الي وسالني ( ليش ياحبيبي قلت هذا الكلام ) ( لانك يعجبك اكل العظام ) ( والعظام ايش فيها أحسن اكل تربي رجال وتقوي الركب وتخلي الواحد زي الحديد ) ( لكن الاستاذ في المدرسة قال لنا ان الكلاب هي اللي تاكل العظام )، ( مالك منه هذا الاستاذ مش داري بحاجه ، اسألنا انا ، لاتصدقه ) ( طيب ليش ماناكل لحمه زي الناس ) ( اللحمه مش مليح تخلي الواحد دبا يضحكوا عليه الجهال ويضربوه ومايقدرش يجري ) ( من قال لك شوف نايل ، الوليد اللي بحافتنا هو واهله ياكلوا دايما لحمه ويضرب كل الجهال حق الحافه ) ( يضربكم لانكم خوافين تخافوا منه هذا الدبا الخايس ) لم يقنعني والدي باجابته ، واستغربت اصراره على تفضيل العظام وامتداحها بهذا الشكل، ساورني الشك ، ان والدي ( كلب ) بل وكانني تاكدت انه ( كلب ) بعد اجابته التفت اليه من جديد وباصرار قلت له ( بابا إعترف إعترف ، انت كلب تحب العظام ، انت كلب مش كذا )