قالها وهو يربت على كتف الشاب اليافع لطفي جعفر أمان بأنه لا يخاف إلا شيئاً واحدا بعد الله : أن تضيع عدن !!
هكذا توقع محمد علي لقمان رائد حركة التنوير و أول صوت للفكر المتحرر في الوطن الغالي والجزيرة العربية .. ولكنه رحل قبل أن يرى الضياع الذي أدركتْ لطفي سنواته الأولى ولم يتحملها فمرض قلبه الرقيق وتوقف عن الخفقان في مستشفى المعادي بمصر .. ورحل هو الأخر ولم يعش مسيرة الضياع الكاملة للمدينة التي أحبها كثيراً وتغنى ببحرها وشواطئها وجبالها وبسحر جمالها الأخّاذ وناسها الطيبين .. لعل لطفي عندما رثا لقمان في مقالٍ نشره في جريدة الأخبار ـ ابريل 1966م ـ استرجع الحديث الهام الذي دار بينهما ، بالذات الحديث عن خوف الأخير على مستقبل عدن ومصيرها المجهول عندما قال للطفي : هل أنتَ خوّاف ؟ رد لطفي : أبداً ، قال لقمان : وأنا كذلك ! ولكني أخافُ شيئاً واحداً بعد الله !! تساءل لطفي : ما هو ؟ قال لقمان وهو يربتُ على كتف لطفي : أخاف أن تضيع عدن يا بني !!
كان محمد علي لقمان يمتلك رؤية ثاقبة وعقلا راجحا .. ويدرك جيداً من خلال قراءته الصحيحة والرصينة للواقع المعاش آنذاك أن بوادر ضياع تلوح في الأفق وأن عدن في طريقها إلى الضياع .
كانت أولى حلقات مسلسل الضياع هي توقف الميناء و رئة عدن عن التنفس .. تلاه بعد ذلك ضرب القطاع الخاص والبنية الاقتصادية و تحطيم النسيج الاجتماعي والثقافي لسكان مدينة عدن .
و توالت حلقات الضياع كأنها مسلسل مكسيكي بحلقاته الطويلة التي ليس لها نهاية ، وكانت أوج مشاهد تلك الحلقات هي الحروب التي دارت رحاها في عدن وسالت فيها دماء الأبرياء وشُردت الاُسر ودمرت البيوت واستبيحت ونهبت أراضيها وخربت مرافقها العامة ، إلى أن أصبحت عدن تئن اليوم من وطأة العبث والتخريب والفوضى العامة والصراع الهمجي .
رحم الله الفقيد علي محمد لقمان كان لديه مشروعاً نهضوياً حضارياً مهماً استند على الفكر العربي الإسلامي، والتقدم العلمي والديمقراطي العالمي نحو بناء مجتمع مدني متحضر في عدن .