هل أخطأنا في حربنا في اليمن؟ هل كنا سنكون أحسن حالا وأكثر مالا وأقل توتراً؟ من يعرف معطيات ومعلومات وأحداث ما قبل 2015 يعلم يقينا لماذا وقفت الرياض مع الشرعية لتحرير اليمن، ولم تكتف بإصدار بيان سياسي صامت لا قيمة له، بل أخذت على عاتقها إنقاذ اليمن كله والمنطقة من ورائها من الانزلاق في فم الإيرانيين وتحول العرب كل العرب إلى مجرد عبيد في شوارع طهران.
حلت الخطة السعودية كالقدر عليهم وأقعدتهم وأقضت مضاجعهم وغيرت خطة اللعب الإقليمي كاملة، وتحولت الرياض من ردود الأفعال إلى إجبار خصومها على اللعب حسب قواعدها هي، وعلى الآخرين القدوم إليها للتفاوض معها، لقد نزعت اللغم اليمني ورمته في حضن إيران، ونزعت اللغم الإخواني ورمته في حضن قطر وتركيا.
ما يحصل في المنطقة من هرمز حتى مطار معيتيقة في «طرابلس ليبيا» أكبر من أن تؤثر في مساره طائرة مسيرة تحمل بضع كيلوغرامات من المتفجرات.. إلا أن هذه الطائرات بحجمها الصغير تحمل ملامح المرحلة وشكلها، فالمخاطر تم تكثيفها ووضعها ككبسولات طائرة، كما وضعت في كبسولات «السوشل ميديا». إنها ألغام من السهل تهريبها فوق السماء أو على الأرض أو في العقول، ولم تعد حاملة الطائرات ولا الدبابات هي المهدد كما في السابق.
السعودية بمكانتها وحجمها وعمقها أكبر من أن تتأثر بطائرة مسيرة، من يرسلها يعرف ذلك جيداً، لكن الهدف أعمق بكثير، إنه البحث عن التأثير السياسي والنفسي، وإدارة الصدى الإعلامي، وربما التأثير بشكل مواز على مشروع طرح أرامكو نفسها.
هناك سؤال ملح.. وأظنه شعبيا أكثر، ومن المهم أن نعرج عليه.. هل هذا الاعتداء العسكري سيكون الأخير ضد المصالح السعودية؟ بالتأكيد لا..
نحن في حرب مفتوحة مع أعداء المملكة منذ فتح الرياض 1902، وحتى اليوم، بل قبل ذلك بكثير، أي منذ بداية الحركة الإصلاحية في الدرعية 1744.
بقيت السعودية صامدة وذهب خصومها، من السلطان العثماني محمود الثاني الذي أمر بهدم الدرعية، وطوسون وإبراهيم باشا اللذين نفذا الجريمة، وعبدالناصر الذي قصف عسير بالنابالم، والقذافي والخميني وصدام، وحتى من أتى بعدهم؛ بن لادن، والقاعدة، والظواهري، والزرقاوي، والبغدادي، وحسن نصر الله، وبشار، والحوثيون، والإخوان، وحمد جاسم، وحمد خليفة، وقاسم سليماني، وباراك أوباما.
اعتبر «السعوديون» أن ذلك ضريبة أن تكون مستقلاً في قرارك وغنياً في أمرك كله، مهموما بالتنمية عن غيرك، وأنها في نهاية الأمر حركة تصادم بين قوى الخير التي تمثلها الرياض، وقوى الشر التي تحاول أن تُصدر أخطاءها ومشاريعها وتحملها المملكة.
لكن الحرب اليوم مختلفة عما سبقها، فمراكز القوى وتحالفاتها في الإقليم ليس كما في بداية القرن، ما يحصل الآن أكثر تعقيدا وأكثر غموضا وأكثر شراسة، وعلينا أن نفهم أن التحالفات متقلبة ومختلفة باختلاف المكان والزمان.
بعض القوى العظمى الحليفة للمملكة قد تكون معها في سورية، محايدة في لبنان، ومتوارية في اليمن، ربما تريد إمدادات آمنة للطاقة، لكنها تريدها منخفضة السعر، وأن تبقى تحت الضغط، وقد لا تساهم في حمايتها.
كل هذا تفهمه القيادة السعودية تماما، ولذلك أخذت على نفسها عهدا بأن تحمي نفسها بنفسها، وأن تكون السعودية أولاً ولا شيء ينافسها، ولا أمر يتقدم عليها، رضي من رضي وأبى من أبى.
فتبنت السياسة الهجومية ولبست القفاز الحديدي. المعركة لم تعد كما كانت أيام الهكسوس والرومان وداحس والغبراء، يرفع المهزوم الراية البيضاء - وهي تعي ذلك - فاستخدمت التكتيك والاختراق، وتصدت للمؤامرات في معقلها، وأقامت التحالفات، وأشهرت السيف.
اليوم المعارك والحروب تخوضها الأقلام ووسائل الإعلام والقوى الناعمة ومراكز الأبحاث، والطائرات المسيرة منخفضة التكلفة، لكن الانتصارات هي في نهاية اليوم مجموع النتائج الصغيرة والمتوسطة التي تتراكم لتحقق إستراتيجية المنتصر أو ربما أغلبها، وهو ما فعلته السعودية في اليمن تحديدا، حافظت على الشرعية، واستنزفت مخزون السلاح الذي كان موجها لخاصرتها الجنوبية، وأخرجت إيران من البحر الأحمر، وأغلقت قاعدتها في السودان، وحمت مضيق باب المندب، وضاقت السبل بعملائها في صعدة، فانتصرت الرياض وهُزم الجمع الإيراني.
نقلاً عن "عكاظ"