نحاول دائما أن نزود القارئ الكريم في حدود الأمكان ، بكل مانراه يجتمع مابين الفائدة والمتعة ، والوصل الدائم بين أحداث الحياة ، تلك التي تدوم فتصبح مثال أوعبرة يستفاد منها في العيش وديمومة الحياة وأنشطتها
فالحزن يقف عائقا في سبيل تحقيق النمو...فأذا رفضنا الخروج من تجاربنا المريرة ، فأننا بذلك قد ركدنا في مستنقع او تركنا أنفسنا لنذبل ونجف ثم نموت....
لابد لنا أن نكيف حياتنا لنواجه المستقبل....وأن نعود أنفسنا على الحياة بلا خوف ..أن نؤمن بأن الدنيا مليئة بالجمال ..ومن الغباء أن نعيش في جانبها القبيح المعتم
ونغمض أعيننا عن كل صورة جميلة تحيط بنا في شروق الشمس وغروبها ، في مساءها وصباحها ، في سماءها وأرضها وسواحلها ووديانها.....في كل مااعطانا الله الكريم بهذه الطبيعة وقدمه الينا في سخاء .
وكثيرا مانجد رغبة تتملكنا لمقاومة الهرب من الحزن ، ولكن حتى في لحظات اليأس هذه ، يتحتم علينا ان نخطو ثلاثة خطوات الى الامام .
ففي الخطوة الاولى ، نحاول فهم مشاعرنا فهما دقيقا ، وأن نضعها بعد ذلك في مكانها المناسب...
فمن بين الاسباب الاساسية التي دفعتنا الى الشعور بالليالي الطويلة المظلمة عقب وفاة فقيدنا العزيز ، الانفعالات التي احتوتنا حزنا وألما على رحيله .
وكثيرا مانشعر في هذه المرحلة المبكرة من المصيبة التي حلت بنا ، بالغضب من الحياة التي قست علينا فأنزلت بنا هذه الفاجعة المؤلمة.
ومن ثم يستبد بنا الشعور بالغضب و المرارة فتنطق شفاهنا كلمات قاسية نوزعها بلاحساب على كل من نلتقي به !......لذا نجد أن ديننا الاسلامي والذكر الحكيم قد ..علمنا أن نقول الحمد لله عند المصائب والفواجع والموت.......
فأذا حرمنا الموت من شخص كانت حياته ، وكان وجوده بيننا ضروريا ولازما..أحسسنا بقسوة الصدمة وأثرها.. وشعرنا بأن كل شئ في داخلنا في ثورة على كل شي حولنا حتى على تقبل الحقيقة المؤلمة الماثله أمامنا..
ولكن أذا ادركنا أن الغضب هو شعور ملازم للحزن واذا فهمنا هذا الغضب لم يحدث نتيجة لعمل أقدم عليه أنسان مثلنا ، وأنه نابع من داخل أنفسنا
لو أدركنا كل هذه الحقائق ، لاستطعنا أن نسيطر على مشاعرنا بعض الشي ، وان نمسك ألستنا عن أطلاق العبارات القاسية التي نوجهها الى الناس ، لا لسبب سوى انهم لم ينكبوا بمثل نكبتنا
وثمة شعور اخر يتملكنا في هذه الفترة ، وهو الشعور بالندم الذي يصل احيانا الى درجة القسوة على النفس فيجد الواحد منا نفسه يفكر في كل عمل ..صغيرا كان او كبيرا.. أقدم عليه في يوم من الايام وأساء به الى الفقيد الراحل أو كدره ، حتى ليشعر المرء منا بالذنب ، وقد يتضخم هذا الشعور ، حتى يدفعنا الى الاحساس باننا تسببنا في وفاة فقيدنا بطريق مباشر او غير مباشر فنعاقب أنفسنا ونقسوا عليها ونعذبها ، فنحن هكذا نميل دائما الى نسيان كل أخطاء الفقيد وكل نقاط ضعفه ، ولانذكر له الا كل خير وكل عمل طيب.وحسن
ثم ان هناك شعور أخر غريب ، قد ينتابنا في بعض الاحيان ، وهو شعور يتصل أتصالا مباشرا بمظهرنا امام المجتمع ، ترى كيف ترى كيف ينظر ألينا الناس ؟
فالشخص الحزين على فقد عزيز لديه ، لابد وان يبدو حزينا ، وأي محاوله من جانبه للنسيان ، قد تفسر تفسيرات شتى ، أقل مايمكن توصف به انه استهتار وخروج عن التقاليد ، فالارملة التي فقدت زوجها لابد ان تتشح بالسواد ، وأن تعيش في عزلة عن العالم طوال فترة الحداد...تفوق العدة الشرعية...تصل الى عام واكثر أحيانا..والابنة التي رحل والدها عنها ، يجب ان تذكر دائما انها لاتستطيع أن تفعل كل شي تفعله زميلاتها في المدرسة او الجامعة ، لانها يجب ان تحترم ذكرى والدها الراحل....
وكل هذه المشاعر..الحزن ، والغضب ثم الشعور بالذنب والحياة وسط القيود والتقاليد ويفرضها المجتمع........كل هذا شي طبيعي لابد من حدوثه...ولكن المهم هو أن نفهم كل هذه الانفعالات وأن ندركها وأن نثق بعد ذلك بيننا وبين أنفسنا ، بانها لابد زائله...فالوقت أحسن دواء..والزمن خير علاج للاحزان..
أما الخطوة الثانية التي نحتاج اليها فهي الا ندع انفسنا ننساق وراء تخيلاتنا ، فنحن نتصور أن رحيل الفقيد عنا ، هو بالنسبه لنا نهاية العالم ، وكم من لحظات مرت بنا بعد رحيله تمنينا لو أننا لحقنا به في دنياه الاخرى.
لكن يجب الا ندع هذا الشعور يسيطر علينا ويتملكنا يجب أن نفرق بين الحياة مع الذكريات وبين التنعم بهذه الذكريات...
وليس أنفع للانسان الحزين من أن يتحدث بحرية عن ذكرياته عن الشخص العزيز الذي فقده ، وان يفكر ، ولكن بصوت عال في تلك الايام الجميلة السعيدة التي أمضياها معا
ولكن أذا كنا حقا نريد أن ننعم بهذه الذكريات الجميلة ، فلابد لنا أن نضع ذكرياتنا في مكانها ، والا ندعها تطاردنا ليل نهار ..في كل دقيقة في كل لحظة في كل عمل نقوم به ، وكل حركة نأتيها...
وأهم من هذا كله..يجب أن نكف فورا عن اية محاولة من جانبنا للكشف عن غموض الموت فكل نفس ذائقة للموت وأن ذلك سنة الحياة.. وان الدار الاخره هي المأوى...فاذا امنا أن الموت هو نهاية لمرحلة وبداية مرحله جديده ، كما يطوى كتاب ليبدأ في قراءة فصل جديد ، فسوف نستمد من أيماننا بالله هذه القوة على مواجهة الحياة والموت وسننظر الى الرحيل من الدنيا الفانيه بداية الرحلة الى حياة جديده ، وعلى انه اخيرا المصير الطبيعي لكل كائن ذي حياة...
وننتقل الى الخطوة الثالثة والاخيرة للتغلب على الحزن...وهو أن العمل وسيله من الوسائل التي تأتي في المقدمة
فمثلا الارملة التي فقدت زوجها وعائلها الوحيد ، تستطيع مثلا ان تعود الى المدرسة من جديد أو تتعلم شيئا جديدا يعاونها على مواجهة اعباء الحياة
يجب أن تقبل مثل هذه السيدة على تحمل مسئوليات جديده وأن تتحمل مسؤليتها تجاه ابناءها بعد غياب والدهم وأن تسعى وتغرق نفسها بالعمل وتهتم بعملها
الجديد ومسؤلياتها الاسرية العظيمة وحتى لاتجد فرصة للتفكير والعودة الى الماضي......
وبهذا نستطيع ان نقهر احزاننا أو نقلل من تأثيرها على حياتنا ، لأن الجمود والوقوف في مكاننا ، يقتل فينا الرغبة في الحياة ومحاولة اعادة عقارب الساعة الى الوراء ، لاتزيدنا الا ألما والا حسرة!
فلابد لنا أذن أن نخرج من عزلتنا ، ونحاول أن نلتقي بالحياة في منتصف.الطريق..ولسوف نجد هناك أشياء كثيرة جميلة في.أنتظارنا
أن قهر الحزن يعتمد أساسا على أيماننا وثقتنا بالله عز وجل وفهمنا للحياة وادراكنا لاسرارها
..