للسلطة مذاق مميت، هي هكذا في «اليمن» منذ مئة عام تقريبًا؛ قُتل خمسة حكام من أصل سبعة، الاثنان الآخران نفدا بجلدَيْهما من الموت إلى خارج وطن الرصاص. جرَّبت اليمن النظام الإمامي فأُغلقت الأبواب دون صنعاء، وتفشت العنصرية كوباء، وهيمنت الطبقية مثل جحيم.. ثم تذوق اليمنيون طعم الجمهورية، إنها نظام آخر، يقوم على استبدال الرؤساء، غير أن الذين جاؤوا بالجمهورية لم يكتبوا دستورًا. حاول أحمد النعمان ذلك، ونجح جزئيًّا، ثم دفع جنسيته ثمنًا لجرأته تلك! كانت اليمن حينذاك مجرد أرض فوضوية، توسَّع فيها البوليس السري لملاحقة أعداء النظام! وأنتج صراع «حاشد وبكيل»، تأثيره الدموي على السلطة في صنعاء، حيث كان للمشايخ القبليين دور حاسم في قرار الدولة. عندما قرر إبراهيم الحمدي إنتاج منظومة جمهورية أخرى، تعتمد على تزاوج الطبقة الارستقراطية «السادة والقضاة»، استنفر القبائل الذين يشكلون 90 في المئة من إجمالي السكان، وكان واضحًا أنه يسعى إلى الانفراد بالسلطة بعد انقلابه على معظم رفاقه في انقلاب 74م. بعد ثمانية أشهر نال «الغشمي» جائزة مفخخة، زُرعت في مكتبه، واستغلت حضور مبعوث الرئيس الجنوبي لتفجيرها؛ ليبدو الأمر كأنه اغتيال دولي. ولم يمهل أحد الرئيس «سالمين» في عدن؛ فحصد هو الآخر بعد يومين فقط من اتهامه المباشر باغتيال الغشمي في صنعاء سبع رصاصات، حملته إلى القبر. جاء «صالح» شمالاً، وحضر «ناصر» جنوبًا. الأول أُعدم بعد 40 عامًا، والثاني فرَّ عقب هزيمته في يناير 1986م إلى صنعاء، ثم إلى سوريا، ولم تسوَّ بعد قضايا اتهامه بمجزرة الرفاق في مدينة التواهي. يُقتل الحاكم في اليمن لأن لا أحد فكر جديًّا في إصلاح منظومة الحكم وتأسيسها على ثوابت معلنة، تحسم الصراع على العرش. كل أولئك الذين يصلون إلى المقعد لا يتزحزحون عنه، حتى يفروا أو يُقتلوا. تجربة الإمامة العنصرية غير ملائمة يمنيًّا؛ لأنها أشد الأنظمة جلبًا للفرز الطبقي العنيف، ولأنها محكومة أيضًا بالثورة والسيف. فكرة ضالة، ليست مرشحة لإقامة استقرار حقيقي لأي بلد. تجربة الجمهورية فشلت؛ لأن أغلب الرؤساء لا يريدون مغادرة القصر، وإن غادروا -كما فعل «صالح»- عليهم أن يواجهوا استحقاقات قراراتهم السابقة بأنفسهم دون حماية من الدولة. وهذا خطأ عميق، رأينا بأعيننا كيف أودى باليمن إلى صراعات دامية، لا تزال مدوية مثل صرخة ملعونة. ماذا عن الملكية إذًا، عائلة واحدة تكفي. ولمن يسأل فالملكية ليست وجهًا آخر للإمامة. الإمامة نظام سلالي، يقوم على تعيين شخص غير يمني في موقع الرجل الأول، ويمنح أصحاب ذلك العرق السلالي امتيازات استثنائية غير مقبولة داخل المجتمع الذي يكنّ لهم الضغائن حتى تتفجر الطبقية والمناطقية والهويات العنيفة. الملكية في اليمن عائلة واحدة تحسم السلطة، عائلة يمنية، ليس لها حقوق دينية أو اصطفاء خرافي، فقط أسرة بها كبير محترم، يؤدي اليمين الدستورية أمام الشعب.الملكية عائلة واحدة تحسم السلطة، عائلة يمانية، ليس لها حقوق دينية او اصطفاء خرافي، فقط أسرة بها كبير محترم يؤدي اليمين الدستورية أمام الشعب ليقول لهم بوضوح : لستُ أخدعكم كرئيس جمهوري يرفض تداول السلطة، ولن أكون إماميًا سُلاليًا يعين أبناء سلالته في مناصب ليسوا أهلًا لها وإنما حملتهم حيواناتهم المنوية إلى ذلك، حين ظنوا أنهم خلقوا من طين آخر غير تربة هذا الوطن . السلطة في الملكية اليمنية ليست ألوهية، لكنها أكثر استقرارًا بالنسبة إلى الحاكم؛ إذ يتفرغ لإدارة شؤون البلاد وإصلاح أحوال الناس بعيدًا عن مؤامرات السجل الانتخابي، والفساد الذي يتكون من حالة الهلع لدى المسؤولين المحكومين بفترة زمنية لانتهاء خدمتهم. إذا وضع اليمنيون ثقتهم في عائلة واحدة، كانت جديرة بما يكفي لتلك الثقة، فإنه بداية استقرار طويل.. فمن يكون الملك؟ وهل تنقذ الملكية اليمن؟
المصدر | صحيفة الخبر