عندما تمت مواجهة أحد أساتذة التاريخ الكبار بضرورة النظر في الرواية الجديدة التي تتحدث عن القبائل التي اعتنقت الديانة اليهودية عبر التاريخ في فلسطين أو اليمن، وخاصة قبيلة بني إسرءيل (إسرءيل-حسب الرسم المقترح من د.زياد منى للتمييز عن الجدد محتلي بلادنا فلسطين اليوم) فإنه قال: هل تريدونني أن أغيّر! أو ألقي بالزبالة ما أدرسه عن القدس وفلسطين خلال 40 عاما؟
لم يكن جوابه أنني غير مقتنع بالرواية، أو أنني قرأتها وفيها ثغرات، أو أنني سأنظر وأتبصر، أو دعوني أفكّر على الأقل! ولكن كان الجواب غير المتوقع والعجيب أنه لن يتخلي عما درسه! ما ذكرني بالآية الكريمة من سورة البقرة (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170))
مما لا شك فيه أن الرواية التاريخية التوراتية -التي ويا للأسف مازال يعتمدها عديد المسلمين والمسيحيين- هي رواية خرافية سواء من حيث عدم اعتماد التوراة كمصدر للتأريخ من كبارالعلماء اليوم، أو من حيث عدم صحة تسلسل الأحداث أو مسرحها الجغرافي أو من حيث المبالغات والخلط المتعمد ما بين الأسطورة والأمنيات والأحلام في نسيج يكاد يكون شعري مليء بالحكايا والأساطير.
إن قصة استناد التوراة لأسماء ذات مصداقية ونقصد أسماء الأنبياء والشخصيات التاريخية التي نؤمن بها ومذكورة بالقرآن الكريم، هذا الذكر بالتوراة لا يعطي التوراة مصداقية تاريخية لمجرد ذكر الأسماء أو بعض الوقائع المتواترة وهي التي يتم التعرض لها بالسوء والاتهام بمختلف النقائص والفضائح.
استند كهنة أو كتبة التوراة على الكذب والافتراء والتزوير المتعمد للوقائع التاريخية من حيث نقل أحداث حصلت لحضارات أخرى سواء في العراق او اليمن أو فلسطين لتصبح كأنها هي تاريخ ما يسمونه زورا "الشعب" اليهودي أو "أرض" إسرائيل. (شلومو ساند الكاتب الاسرائيلي يفند خرافة "شعب" وخرافة "أرض" لليهود وإسرائيل في كتابيه حول الموضوع)
أستاذ التاريخ الذي واجهنا بتمسكه المتين! بروايته التي يدرّسها أسقط مفهوم العالِم حيث أن العالِم يشك ويتفكرويبحث ويتأنى، وقد يطرح تعدّد الروايات على الأقل ليستطيع غيره التبصّر.
التوراة سقطت منذ زمن بعيد ككتاب تاريخ، كما يقول عديد المفكرين والكتاب والمؤرخين الكثر أمثال توماس تومسون وبيير روسي وأمثال كيث وايتلام، وأيضا عالم الآثارالاسرائيلي الحالي "زئيف هرتزوغ" و"إسرائيل فنكلستاين" و"نيل أشر سبيلبرغ" وغيرهم من أصحاب الرواية العلمية الموثقة بالأدلة التاريخيية بأساليب البحث الجديدة المتنوعة أمثال د.أحمد قشاش وأحمد الدبش وفرج الله صالح ديب ود.احمد سوسة وفاضل الربيعي، وكمال الصليبي من مدرسة أن أحداث التوراة جرت في اليمن القديم. أو الآخرين أمثال د.ابراهيم عباس أو د.علاء أبوعامر أود.عصام سخنيني ود.زياد منى ود.عزالدين المناصرة من أصحاب مدرسة التاريخ الكنعاني العربي الفلسطيني في فلسطين وليس اليمن القديم، فكلا المدرستين تقران بخراب التوراة وعدم الاعتماد عليها بالتفاصيل لأنها مشحونة بالأكاذيب وانعدام الاخلاق والتعصب والكذب على الله والناس.
ما نريده من مُجمل القول وما حاولت تدوينه في كتابي: القدس لا ترحل هو النظر للأفكار الجديدة بنظرة بحث وتأمل، فالرواية هي أحد أهم أسلحتنا اليوم في مواجهة الاحتلال والكاذبين، وتنقيح كل التراث من تداخل ما يسمى ب(الاسرائيليات) مع الفكر والتاريخ الحديث المكتوب -والذي للأسف ما يزال يدرّس- بمنطق أن تضع الروايات جنبا لى جنب على الأقل.