منذ أكثر من عامين لم أعد اهتم بتغريدات، بعض القادة الجنوبيين، وربما قل اهتمام كثير من أبناء الجنوب بما ينشر، بعد أن أثبت معظمهم، تحشيد أنصاره ضد الآخر، وتعبئتهم بالمناطقية، وبث فيهم روح الإنتقام والفرقة والكراهية، لأهداف سياسية، لكني شعرت بمرارة وحرقة القول في تغريدة نشرها الشيخ هاني بن بريك تائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي في 2 أبريل كتب فيها " إني أحن العودة الميسري والجبواني لحضن الجنوب وهكذا كل من بعد عن خيار الشعب الجنوبي وهو من الجنوب أحن لعودته، قد يخالفني الكثير ولكن اتركوني أعبر عن شعوري، لن نبني وطن ونحن فينا روح الانتقام، .....". بل شعرت أن هذه الرسالة نابعة من قلب انسان، ويمكن لها أن تؤسس لسلام جنوبي جنوبي، ويتحقق حلمنا للعيش في وطن يسوده التعايش، ولا يحكم أو يدار بدافع وسلوك الإنتقام.
إن المواقف المتلونة غير الواضحة التي يظهرها الخطاب السياسي والإعلامي، لبعض القادة السياسيين والعسكريين وتياراتهم في الجنوب هي نتاج لتخبط السلوك السياسي وغياب الرؤية لديهم، ومحاولتهم تبني سلوكا سياسيا مبنيا على ممارسة التطرف السياسي ووضعه في كفة، وتسويق سلوك التراحم والتآخي والتصالح في الكفة الأخرى، مما ألغى بضلالة السلبي على مواقفهم وتعاملهم مع متطلبات ومعالجة القضايا المصيرية، وعلى شكل علاقتهم ببعضهم البعض، وأفقدهم السير في الطريق السليم للوصول لمعالجة القضية الجنوبية والحل، الذي يمكن يجمع عليه كل شعب الجنوب، وللأسف كان لهذا التناقض والتخبط أثره البالغ في إذكاء النعرات المناطقية، وأظهر نزعة الجميع، لحب السلطة وعدم القبول بالآخر.
لم تضع الأطراف السياسية والعسكرية المسيطرة على الأرض في الجنوب (الشرعية والانتقالي الجنوبي) في تعاملها مع الواقع، الذي أفرزته نتائج الحرب 2015م، أي اعتبار للفئة الصامتة، التي الزمت نفسها الصمت، لعدم أخذ مشورتها، والتعامل الهامشي معها، ومع دورها النضالي في تحرير الجنوب، الذي يؤكد غياب النوايا المؤشرات الصادقة لإشراكها في بناء مستقبل الجنوب، علاوة على قناعتها المسبقة، منذ عشرات السنين بفشل محاولات أي طرف للاستفراد بالسلطة والجنوب، لأنها ستعيد إنتاج الصراعات وستعمق الجراح والكراهية والانتقام بين أبناء الوطن الجنوبي الواحد، ولقناعتها المطلقة أن الوطن لن يبنى بثقافة وسلوك الانتقام والتخوين والفيد، وفضلت ان تلزم الصمت، ليس ضعفا إنما لقناعتها بإن الانتظار خير موقف يتخذ، في الوقت الحاضر، حتى تذعن هذه الأطراف، التي تعبث بالجنوب، وبمشاعر الإنسان فيه، لصوت الحق، وتراجع حساباتها، ومواقفها، والوصول إلى نقطة الاعتراف بالخطاء، وتدرك بمصداقية، إن التطرف السياسي، وتعبئة كلا منهما أنصاره ضد الآخر بسلوك الانتقام لن يجدي نفعا، ولن يستفيد منه إلا أعداء الجنوب.
لقد فشلت محاولات الوئام ورأب الصدع بين الجنوبيين خلال الفترات السابقة، التي تلت مغادرة بريطانيا عدن، مرورا بالأحداث والصراعات الدامية، التي شهدها الجنوب، إلى يومنا هذا، وكان من أبرز أسباب الفشل في تقديري هو غياب التعاطي بنوايا صادقة مع دعوات الوئام والتصالح والتسامح، من قبل المتصارعين، والمتسببين في إشعال الصراعات، والنية المبيتة لبعض القادة، لاستخدام هذه الورقة مرحليا، للتصالح والتسامح من أجل السلطة، أو لغرض في نفس يعقوب، وألا لماذا أنهار التصالح والتسامح على عتبة أحداث أغسطس في 2019م؟!
اننا نشعر منذ عشرات السنين، كأننا لاجئون في وطننا الحبيب، لأننا لم نعش وننعم بالسلام الجنوبي الجنوبي الصادق، والدائم، ولأن من يتصارع فيه يضع نوايا الصراع في كفة، والتصالح والتسامح في الكفة الأخرى، لهذا أزهقت آلاف الأرواح البريئة، وضاعت الحقوق والممتلكات، بسبب تغذية الصراعات بالمناطقية وبث بين أنصار الخصوم روح الانتقام.
نأمل أن تكون الدعوات والرسائل الإنسانية، التي أطلقها الشيخ هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، صادقة، كما نقرأها بعمق ونأمل أن يقابلها الطرف الآخر، معالي المهندس احمد بن احمد الميسري نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية كما عهدناه، والأخ صالح الجبواني بروح مسؤولة، وبصدق وقناعة بإن الوطن لن يبنى بالانتقام.
لن نبني وطنا بالانتقام
2020/04/07 - الساعة 08:10 مساءً