لمواجهة جائحة الكورنا أغلقت معظم بلدان العالم على نفسها الأبواب، وأغلقت على سكانها منازلهم، وعطلت الأعمال والأنشطة الاقتصادية والتجارية، إلا في حدود ضيقة، ومنعت التواصل الاجتماعي، وهي إجراءات استطاعت إلى حد كبير أن تطوق انتشار الفيروس دون أن تقضي عليه.
والمثير للاستغراب أن هذا الفيروس يتشكل، ويعيد تشكيل نفسه، بمظاهر وخصائص مختلفة كلما اشتدت وسائل مواجهته حتى بدا وكأن القضاء عليه أو استخلاص عقار لمكافحته غدت مسألة بعيدة الاحتمال حتى اللحظة الراهنة، الأمر الذي دفع بلداناً كثيرة إلى التفكير في تخفيف إجراءات العزل والإغلاق تلك على نطاق كبير لمواجهة الانهيار الاقتصادي الذي بدأ يظهر في أكثر من صورة خطيرة بسبب تلك الإجراءات.أدرك الجميع أن الكارثة التي ستنشأ من الانهيار الاقتصادي ستفاقم الوضع، وخلصوا إلى أن مواجهة هذا الوباء في وضع اقتصادي متماسك هو أفضل من مواجهته باقتصاد منهار.
كانت بريطانيا من بين البلدان التي تنبهت لهذه الحقيقة منذ البداية فحاولت أن تجمع بين مكافحة الوباء من ناحية والحفاظ على وضع اقتصادي متماسك إلى حد ما من ناحية أخرى، لذلك فقد واجهت معدلات عالية في الانتشار وفي الوفيات خلال فترة ما يسمى الذروة. وبتخطيها منذ يومين سارع رئيس الوزراء إلى إعلان سياسة جديدة وهي بدلاً من stay home (البقاء في البيت) stay alert (البقاء حذراً)، وتقوم على العودة إلى العمل جزئياً دون استخدام المواصلات العامة مع إعادة تشكيل ظروف العمل، بقاء العمل الذي يمكن أن يؤدى من البيوت مستمراً، فتح المدارس في أضيق نطاق، الالتزام بعدم التجمع، الالتزام بالشروط الصحية التي سيتم الإعلان عنها بين حين وآخر.
كان الاقتصاد هو العنصر الضاغط في تنفيذ سياسات الوباء بكلفة اجتماعية أقل على المدى البعيد.وقي كل الأحوال فإن كثيراً من الدراسات تشير إلى هذا الوباء قد وضع العالم أمام أسئلة ذات صلة بالنظام الكوني الذي استقر عليه العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ومن هذه الاسئلة: شروط حماية المناخ والبيئة، الحاجة إلى نظام التسليح القائم وقيمة الحروب في حل المشكلات العالقة، مكونات الاستهلاك البتروكيماوي، التكتلات الإقليمية ومدى أهميتها، كفاءة المؤسسات الأممية ونظام عملها، كفاءة النظام الصحي المحلي والعالمي، البنى الاقتصادية لكل دولة، تزايد دور ومكانة العمل عن بعد عبر وسائط الاتصال الحديثة، تغيير كثير من العادات الاجتماعية، إدخال نظم جديدة في التعليم، تهذيب نزعة الهيمنة التكنولوجية على إرادة الإنسان بالعودة إلى نظام متوازن.
الذي يعيب هذه الدراسات وهي تبحر في عوالم متغيرة افتراضياً بمقاربات تسهل فهم حقيقة أن فبروساً لا يرى بالعين المجردة قد هزم كل هذا الهيلمان العالمي الذي بدا في لحظة ما وقد وقف العالم مشدوهاً أمام ال G5 من وسائل الاتصالات متعددة الأبعاد التي طرحتها الصين للاستهلاك وكادت تؤدي إلى حرب عالمية جديدة، هي أنها تجاهلت الفجوة الهائلة والتي تتسع باستمرار بين العالم الفقير والعالم الغني، وهي الفجوة التي ستظل تشكل الشاحن المستمر لكوارث لا تنتهي.
من صفحة الكاتب على الفيسبوك