أثار الأمريكيون هذا السؤال قبل حوالي سبعة عشر عاما من الآن بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر التي وضعت الأمريكان أمام حقيقة أن هناك فعلا من يكرههم ويريد إيذاءهم وأن هناك بالفعل من احتفى لمصابهم. وهو في الحقيقة سؤال لم يكنالأمريكيون يريدون أن يسمعوا إجابته!
المسلمون أيضا في الغرب يتساءلون من حين لآخر: لماذا يكرهوننا؟ ويتكرر السؤال مع كل حملة يعتبرونها عنصرية من الغرب تجاههم. وهو أيضا السؤال الذي لايريدون أن يسمعوا إجابته!
في الحالتين، هناك مجموعة من الجرائم المرتكبة من قبل المتسائلين. في الحالة الأولى، ترتبط هذه الجرائم بالمصلحة والتدخل في شؤون الآخرين وأكثر، مما لا يتسع المقال لتحليله بشكل أعمق هنا.
في الحالة الثانية، يصل هذا التساؤل بالتقوقع على الذات ورفض الاندماج في المجتمعات الأخرى، وتكفير كل من عداهم وتحقيرهم والدعاء عليهم في كل صلاة، بل وأكثر إباحة دماءهم وأموالهم واستباحة نسائهم. كل هذا وفقما يعتبرنه ” أحكاما شرعية”.
الاختلاف بين متشدد ومتساهل هو فقط حول توقيت تطبيق هذه الأحكام، بين من يرى الاستعجال لتطبيقها، وبين من يرى تأجيلها حتى تحين لحظة التمكين. لكنها تبقى أحكاما لا يتبرأ منها إلا المجموعة التي سآتي على ذكرها هنا، وهي المجموعة التي تتساءل بدورها أيضا: لماذا يكرهوننا؟!
أطرح هذا السؤال على نفسي يوميا، بعد كل نقاش أو رأي أبديه حول قضية ما، فأقابل بازدراء وهجوم يجب أن ينتهي بالقذف الشخصي: “الشخصنة”، حتى ممن لا أشك عادة في حبهم وقربهم؛ فالقضية تصبح بالنسبة لهم هنا مقدسة وفيها مساس بالقيم العليا.
كل قضية يكون الرأي فيها بخلاف ما تلقوه وحفظوه، هو كفر بواح، يتهاوى أمامها كل حب وتقدير لشخص صاحب الرأي، وهو السؤال الذي بالتأكيد يطرحه أمثالي من أنصار العلمانية التي لا يخجلون ولا يخافون أو يتوارون من التصريح بمناداتهم بها.
لماذا يكرهوننا؟ لماذا تكرهنا النساء اللاتي نستميت لنطالب لهن بحصة أكبر من الميراث ومن الزوج ومن الملبس ومن المنزل ومن الحياة؟!
لماذا يكرهوننا؟ لماذا يكرهنا هؤلاء الشباب الذين يتسابقون ليرمون أنفسهم بالبحر مقابل الوصول لحدود الدول العلمانية، التي تمنحهم حقهم في الحياة والتفكير وإبداء الرأي؛ لكنهم في الوقت ذاته يكرهوننا، حين نطالب لهم بذات الحقوق في بلدانهم، وهي تلك الحقوق الأولية التي لو لم تعرفها تلك المجتمعات المستقبلة للهجرة لظلت على حال البلاد الطاردة للبشر.
حين نقول ذلك، لا نبالغ… فحين ينتفض المسلمون بالغرب، لأن الفرنسيين يرفضون ما يرونه حقهم بارتداء “البوركيني” على الشواطئ الفرنسية، محتجين بحرية الملبس؛ يساندهم ويدعمهم أنصار الحرية من الفرنسيين لأن الحريات عندهم مقدسة وهي حق للجميع؛ فهم لا يكيلون بمكيالين. فأين المشكلة إذن حين نطالب لكل النساء في كل مكان وزمان بحرية الملبس؟
إذا كانت الإجابة المكررة دائما هي التحجج بالخصوصية الدينية والثقافية ورؤيتهم الخاصة للصواب والخطأ وأنهم الأفضل، فلماذا لا يقبلون فكرة أن الآخر أيضا لديه خصوصيته الثقافية التي يخشى عليها من التلوث، ولديه أيضا رؤيته المغايرة للصواب والخطأ. هو أيضا يراكم خطأ وأكثر.
الشاب الذي يقبل أن يعطل حقه في تعدد الزوجات طواعية في بلاد الغرب، ويعرف أنه عمل مجرم فيلتزم، لماذا إذن يعتبر أن كل حديث عن رفض التعدد أو تقييده هو تعطيل لشرع الله؟! هذا الشاب ذاته الذي يرى أن الانتصار للمبادئ العلمانية في بلاده كفر وإلحاد وخروج عن الملة، لماذا يطير لتلك البلاد التي لولا تطبيق المبادئ العلمانية لما استقبلته وهو مختلف عنها ومكنته من أداء طقوسه والعيش بحرية؟
هم يعلمون جيدا أنه، لولا الانتفاضة على سلطة الكنيسة، لظلت هذه القارة تغرق في الدماء وفي الحروب الدينية المقدسة وفي الجهل والظلام، وتأتي إجابة الكارهين لنا دوما أن الوضع لدينا مختلف وأن الإسلام دين ودولة وأنه صالح لكل زمان ومكان، وكأن الجماعة الذين ظلوا قرونا قابعين تحت هذه السلطة الدينية للكنيسة، لم يكونوا يرون الشيء نفسه قبل أن ينتفضوا وتتبدل حياتهم. فإذا لم يكونوا يعتبرون أن دينهم دين ودولة، لم إذن بقوا على رأس السلطة من خلال التحالف بين الحاكم ورجل الدين طوال هذه المدة؟
إذا كانا نختلف عنهم، فلماذا حالنا أشبه بحالهم في الأيام الخوالي: حروب وصراعات طائفية وقتل على الهوية وجهل وتخلف وفساد؟!
ثم، من قال لكم أن تنحوا ديننا الإسلام عن الزمان والمكان؟ وما علاقة هذا بتوفير الحريات الشخصية وفرض القانون المدني على الحياة العامة بما يتسق وتطورات العصر؟ نحّوه فقط عن المتاجرة والمزايدة والحقد والانتقام باسمه… هذا كل المطلوب.
لماذا يكرهوننا ونحن نسعى لأن نعيش معا في أوطاننا بذات الظروف التي يركبون البحر والجو مهاجرين إليها؟ يهربون إلى من يكرهونهم كما يكرهوننا، ونصمم على البقاء والحفر في الصخر والمجابهة في مكاننا متشبثين بمبادئنا التي حتما ستنتصر على أرضنا ذات يوم.
في قربهم، وحتى في بعدهم، يكرهوننا ويوجهون لنا الاتهامات… ونتذكر هاهنا مقولة من سبقونا: “شعب أردت له الحياة فأراد لي الموت”
ونبقى نتساءل: لماذا يكرهوننا؟! سؤال سنظل نكرره… لماذا يكرهوننا؟!