نزل خبر موتك على قلبي كالصاعقة!! شُلَّت أركاني!! سكنت أنفاسي!! تلونت السماء أمام عيني بلون الحداد الأسود حسرةً على فراقك!! قلّبت جوالي مراراً بحثاً عن خبر يعيد لي بصيص الأمل ويكذب الخبر!! لا فائدة!!! كل الأخبار قد بلغت حد التواتر ومضمونها لقد رحل زفر !!.
حاولت السيطرة على رباطة جأشي فم أستطع!! تلعثمت حروفي في مخارجي!! دخلت في نوبة من الحُزن وضاقت أنفاسي وكأني بالسماء قد جثمت على صدري، لا أعرف كيف أواسي نفسي، ولا أعرف كيف أقنع خيالي برحيلك المر وأنت من جعل الدنيا البائسة بروحه المعطاءة أجمل من وجه القمر!!.
إذا كان أهل مصر ينهلون من نهر النيل فنحن في عدن ننهل من نهر علمك وثقافتك، وإذا أهل السودان ينهلون من النيلين فنحن في عدن نستقي من نهر جودك وسخائك، وإذا أهل العراق ينهلون من دجلة والفرات فنحن في عدن نرتشف من نهر عزيمتك وإصرارك.
رحل زفر فرحلت معه مكارم الأخلاق والقيم، رحل فرحلت معه عظيم السجايا والشيم، رحل فرحلت معه المحبرة والقلم، رحل فرحل معه العطاء والكرم، رحل عن دنيانا فرحلت معه العزيمة وذهب الإصرار إلى زوااااال وعدم.
رحل زفر فبكت عدن لرحيله، وتقطعت القلوب حسرة لفراقه، وأجهشت العيون بالدموع لمغادرة خياله. رحل بعد أن رسم صورته في القلوب، بعنفوانٍ قد فاق الخيال، وبإتقان عجز عن وصفه الفنان، وبعزيمة فولاذية سيحتار في تجسيدها الرسام، وبحيوية قل أن تجد مثيلها في الحاضر ولن تجود بمثلها قادم الأيااااااام.
من أين أبدأ؟ وماذا أكتب؟! فنحن أمام لوحة علمية فنية قد اجتمعت في إطارها جميع الفنون، إذا تحدث تسابقت الحروف لإرضائه، وإذا تبسم فكأنما القمر قد شق طريقه ليرتسم على وجهه، وإذا حاور سلب محاوره عقله بسحر حديثه، وإذا ناقش وظَّف العلوم لخدمة أرائه وقناعاته.
أأكتب عن صدقه وإخلاصه!! أم أكتب عن طيب معشره !! أم أكتب عن عزيمته وإصراره !! أم أكتب عن بره وإحسانه! ! أم أكتب عن نصحه وإرشاده! ! أم أكتب عن دماثة أخلاقه، باختصار زفر موسوعة قد أبدع في صنعها فالق الإصبااااح، ومكور الليل والنهاااار.
مات دكتورنا الحبيب!! فمات معه الطهر والنقاء، مات الحب والوفاء، مات الصدق والإخاء، مات البياض والصفاء، ماتت النخوة والإباء، مات الوعظ والإرشاد، واحتار في وصفه الأدباء.
وداعاً دكتورنا الحبيب.. لوكنتَ تعلم مقدار الألم الذي خلفه رحيلك لما تركت دنيانا، ولو تعلم مقدار الفراغ الذي سنعيشه بعدك ما غادرت دنيانا ورحلت عن عالمنا، ولو كنتَ تعلم قساوة الفقد والحزن الضارب على صدر طلابك لما تركتهم يتألمون ورحلت إلى غير رجعة!! لكن هذه مشيئة الله وإرادة الله لا نملك حيالها شيئاً، وإذا أحب الله عبداً قبضه إليه.
*وداعاً دكتورنا الحبيب:* لقد غادرت دنيانا جسداً؛ ولكن روحك لا تزال باقية!! ذكراك لا تزال حاضرة!! ضحكاتك لا تزال مدوية!! أنفاسك لا تزال مسموعة!! بسماتك قد شقت طريقها لتستقر في القلوب قبل العيون.
صحيح بأن جامعة عدن ستلبس ثواب الحداد لرحيلك، وقسم الدراسات الإسلامية سيتقمص ثوب الألم على خسارتك، وطلابك سيرتدون ملابس الشتات؛ لأنهم لن يسمعوا صوتك ثانية وسيُحرمون من نصائحك وتوجيهاتك؛ ولكن العزاء أن بصمتك الإيجابية قد تركت آثارها في كل مكان وفي كل زاوية وشااارع.
*وداعاً دكتورنا الحبيب:* ثق أننا لن ننساك ما دامت قلوبنا تنبض بالحياة!! ستظل نهتف باسمك ما حيينا!! سيظل نبراسك الأبيض يضيء لنا طريقنا!! سيظل قبرك منارة للعلم والعلماء!! ستظل صورتك حاضرة في مذكراتنا كلما طالعناها!! ستظل مراحل حياتك عالقة في أذهاننا ما تعاقب الليل والنهار.
*وداعاً دكتورنا الحبيب:* نم قرير العين في قبرك !! ستلهج ألسنتنا بالدعوات لك ولن تفتر ما دام الدم يسري في عروقنا!! نم مرتاح البال في قبرك فربك قد اشتاق إليك!!، نم قرير العين فسوف تسمع منا ما يسرك سوف نتسلم مشعل وعظك وعلمك، ونواصل إيقاد شعلتك إلى أن نسلم أرواحنا لبارئها.
وفي الأخير لا نقول إلا ما يرضي ربنا (إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا دكتور زفر لمحزونون).
من صفحة الكاتب