وأنا اقرأ بيان النقابة الناعي وفاة كوكبة كبيرة من أعضاء هيئة التدريس في جامعة عدن. تذكرت فقرة قرأتها فيما مضى لرئيس الوزراء الفرنسي ديجول وهو يتفقد ما الذي بقى لفرنسا بعد أوقفت الحرب العالمية الثانية أوزارها أول اجتماع دعاء اليه كان في جامعة باريس وألقى كلمة تاريخية في النُخبة الأكاديمية الفرنسية جاء فيها؛ كل ما يهمني اليوم هو معرفة كم بقى لفرنسا من نخبها العلمية في مختلفة مجالات العلوم، فإذا فقدنا السياسين والعسكريين فيمكن تعويضهم في بضعة سنوات أما العلماء والأكاديميين فخسارتهم لا تعوض أبدًا إذ هم عقل الأمة وقلبها النابض فإذا مات العقل وأنطفى النبض مات الجسد وتحلل واندثر".
بيان نقابة هيئة التدريس في جامعة عدن وهو ينعي وفاة ٢٤ كادرًا أكاديميًا من مختلف الكليات والتخصصات العلمية يحمل دلالات بالغة الخطر والفجيعة.
أنهم نُخبة المجتمع الذين تم اعدادها علميًا وأكاديميًا على مدى أكثر من نصف قرن بما لديهم من معارف وخبرات أكاديمية وتجارب بحثية حينما يرحل هؤلاء كيف يمكن تعويضهم في ظل كل المؤشرات التي لا تحمل بشائر تعويض خسائر النُخب المتعلمة.
فلم يعد في مدارسنا ولا منازلنا ولا جامعاتنا من يسهر الليل في القراءة والكتابة والمذاكرة والتحضير والمنافسة العلمية الشريفة.
من المؤكد أنهم رحمة الله تغشاهم سيتركون فراغًا كبيرًا في قلب وعلق الوطن الجريح المنذور للحرب والخراب بايدي لا ترحم ولا تفهم ولا تعلم ماذا تعني الحرب وموت النُخب.
فاجع هو وضعنا وليس بايدينا ما يمكن فعله لإيقاف هذه الكارثة الوبائية والسياسية غير الدعاء لله الرحمن الرحيم باللطف والرحمة.
معظمهم زملاء وزميلات اعرفهم فماذا بوسعي قوله في هذا المقام المأتمي الرهيب؟ في حنجرتي غصة وقلبي يختنق بالحزن العميق وأنا أتفحص اسماء الزملاء المتوفيين في جامعتي الحبيبة؛ موكب جنائزي مهيب لم تشهد أي مؤسسة أكاديمية في العالم كله مثيل له.. بسبب الوباء كورونا كوفيد١٩ الفتاك.
لا حول ولا قوة إلا بالله وإنا إليه راجعون.
وداعا من سيعوض هذه الخسائر؟ ومن سيُملئ الشاغر. والنخبة هو أغلى ما لدى الأمة من ثروة أنهم ثروتها القومية التي لا تقدر بثمن ابدًا!
من صفحة الكاتب