عن واقع "الجنوب" بدون رتوش

مشكلة الجنوب اليوم لا تتمثل في جزئها الأكبر في دول التحالف ؛ و لا في نظام عبدربه منصور ؛ أو نظام (صالح) أو الإصلاح أو غيره .   تتمثل المشكلة في جزئها الأكبر في تركة ما بعد "الحرب" و كيف تعامل الجنوبيون مع واقعهم مابعد هذه "الحرب" .  الحقيقة المؤلمة أن هذه الحرب أخرجت أوسخ مافينا ، و أظهرت عاهات ماكنا نحسب أنها موجودة .. !  تتمثل مشكلة الجنوب اليوم في جزئها الأكبر في أن الكثير ممن قاتلوا و التحقوا بالمقاومة أو ادعوا أنهم مقاومون باتوا يحملون معاول الهدم هنا و هناك دونما وعي ؛ يسعون لهدم شيء أكبر منهم ؛ و البناء الذي ارتفعت لأجل هدمه "المعاول" هو "الوطن" !!  حينما خرج الآلاف قبل أشهر من اليوم ليدافعوا عن المدن مجتمعة لم يبرموا عقد "اتفاق" مسبق يتضمن أن كل مقاوم استحل مؤسسة حكومية  يجب أن تؤول إلى ملكيته ؛ أو أن كل من أطلق عدة أعيرة نارية يجب ان يتحول إلى مدير عام بمؤسسة حكومية مرموقة !  مشكلة الجنوب اليوم تتمثل في جزء كبير منها في تكييف "إدارة الدولة" و الفصل بين الدولة كعقد و نظام اجتماعي يحتكم إليه الناس و بين الدولة كصهوة جواد يعتليها "الأقوى" منا ! نحتاج إلى جهد إضافي في الجنوب لكي نقنع بائع التمبل  الذي أمضى حياته إلى ما قبل الحرب بائعا للتمبل بأنه لايمكن له أن يدير مؤسسة حكومية مثل مركز صحي أو غيره .. و نحتاج إلى جهد إضافي لإقناع كل مدعي المقاومة أن الحرب و القتال و المقاومة هي لحظات شاذة في تاريخ الأمم تنتهي بمجرد انتهاء الحرب ؛ و أنه لم يكتب في تاريخ أمة ما أن ظل المسلحون يبتزون الأمة باسم "المقاومة" . في "مأرب" حيث يسخر "الجنوبيون" من الدحباشي المتخلف تعمل جميع مؤسسات الدولة بكل انتظام و ترتيب ؛ و لم نسمع قط أن المقاوم الفلاني أغلق بوابة مؤسسة حكومية ما لكي يطالب بأن يكون مديرا لها أو حاكما للمنطقة التي تجاورها .  لكن من يطوف بمدينة "عدن" يجدها مدينة مقسمة "الأوصال" و المربعات لأنها خضعت لمنطق نحن أصحاب "فلان" و هذه منطقة أصحاب فلان ..  لن يفلح حال الناس إلا حينما يفسحون المجال "للدولة" كعقد اجتماعي و سياسي بأن تدخل إلى أوساطهم و أن تكون المظلة التي يستظل تحتها الجميع و يحتكم إليها "الجميع".  في "الجنوب" كنا أكثر الناس حديثا عن "الدولة" و شكل "الدولة" ؛ لكننا اليوم و بعد غياب كل الأدوات التي اتهمناها بإضاعة الدولة قمنا بما قامت به و أكثر !!  كل وطني شريف يحب الجنوب لا يود و لا يقبل أن يعيش في واقع مشوه كهذا .. و سنظل نبحث عن "الدولة" و النظام و القانون و إن غابت طويلا فقد نرتحل بعيداً عن هذه البلاد !  فلن يعود يشرفنا أن نعيش في مدينة تحتكم إلى "أبو فلان من الناس" - مهما كانت بطولته وتضحياته - .. !  نريد وطنا و دولة و حكومة و قانونا مثل كل الأمم ؛ فهل مانحلم به هو ضرب من ضروب "الخيال" يا سادة ؟! .

عابر سبيل