أثار إعجابي القبول والترحيب الشعبي بتعيين الأستاذ احمد حامد لملس محافظا لعدن، هذا ما جعلني أخط هذه الأسطر متسائلاً مع نفسي هل وجد فيه المواطن ما يحلُم به وما هي فرص النجاح لتحقيق احلامه؟.
لا يختلف تساؤلي عن التساؤلات التي تنطق بها عيون ابناء عدن المنتظرة بترقب متى تنفرج مشكلات مدينتهم ويزاح الهمّ من حياتهم؟
في تقديري إن ما يتميز به الشاب الخلوق احمد لملس من حنكة ومرونة وسمعة جيدة وخبرة مشهود لها بالنجاح اكتسبها أثناء توليه إدارة مديريات الشيخ عثمان والمنصورة وخورمكسر اوجدت له شعبية مقبولة لدى اوساط أبناء عدن، بل إنها هي التي جعلتهم يستقبلون قرار تعيينه كالمنقذ المنتظر الذي سينقذ مدينتهم وينتشلها من الغرق إلى بر الأمان ومن التمزق إلى التلاحم الاجتماعي، ومن الظلام إلى النور، ومن الفوضى إلى الاستقرار، لكن رغم تفاؤلية هذه النظرة، إلا أن ثمة توجسا وأسئلة تتردد بعفوية على ألسنتنا، وأولها: هل تكفي الصفات القيادية التي يتمتع بها المحافظ الجديد لإحراز النجاح وإنقاذ عدن؟.
لقد دُمرت محافظة عدن خلال العقود الماضية ما قبل الوحدة بسبب سياسة الحزب الواحد، ثم استمر التدمير الممنهج بصورة أبشع وبسياسة متعمده من قبل النظام المنتصر في 94م، ولم تظهر نتائج التدمير مباشرة على السطح، لكنها ظهرت مؤخرا بشكل تراكمي لتشكل جملة من التحديات التي يرثها اليوم المحافظ الجديد، ويصعب التقلب عليها بسهولة لما تشكلة مجتمعة من تحديات كبيرة في مجال الكهرباء والبنية التحتية والخدمات وتدمير المخططات العمرانية بالبناء العشوائي الذي يجعلها تغرق عند هطول أقل مستوى للامطار وتتسبب في إلحاق الخسائر البشرية والمادية كما خلفت مؤخرا أكثر من 15 حالة وفاة وجرف مئات المنازل، ودمّر العابثون بها ثقافة الانضباط المجتمعي للقانون من خلال استهداف القيم الأخلاقية في المجتمع، وتغييب العدل والمساواة بين أفراده.
لقد دُمر كل ما هو جميل في مدينة عدن والمجتمع العدني حتى تسيدت الفوضى الأخلاقية في المجتمع، وصارت مدينة النور والسلام والتعايش، مركزاً وسوقاً لبيع السلاح وترويج المخدرات وتهريبها ووكراً لعصابات مافيا الفساد والنهب والسطو على ممتلكات الغير، واستكملت الحرب الأخيرة بين الفصائل الجنوبية ما تبقى فيها بضربها النسيج الاجتماعي ووحدته وتمزيقه وإلحاق بهِ الضرر والأثر البالغ، الذي يصعب التعافي منه بسهوله على المدى القادم، وتحويل عدن إلى محور صراع بين المتصارعين واتخاذ كل الأطراف من تعطيل الخدمات فيها وصرف الرواتب وسيلةً لابتزاز كلاًُ منهما الطرف الآخر بها فضلاً عن تحويلها إلى ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية، وللأسف بأيادي جنوبية.
هناك شرطان لضمان النجاح لأي محافظ قادم لإنقاذ عدن من الوضع المأساوي، الذي تعيشه أولهما "ذاتي" ويتعلق بالصفات القيادية التي ينبغي توافرها في الشخصية القادمة لقيادة مهمة إخراجها من الوضع الذي تعيشه، وترتبط بمدى قدرة المسئول وكفاءته وخبرته ونزاهته وقبوله شعبيًا، ولحُسن الحظ هذا ما يمتلكه المحافظ الجديد "لملس". أما الشرط الآخر فهو "موضوعي" يتصل فيما سيتوفر له من إمكانيات مادية وسياسية وتهيئة للظروف والمناخات ومنحه الصلاحيات الكاملة وإزالة كل العوائق السياسية والأمنية والاقتصادية، وأولها توحيد القرار الأمني والخدماتي والإداري، التي سيصطدم بها في عمله بالإضافة إلى متطلبات ومقتضيات تحد من التدخلات المتعددة المرتبطة بالقرار المحلي اليمني، وبالتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وأخرى بالتيارات السياسية، التي ستشارك في الحكومة القادمة، فهل توفر الشروط الذاتية للشخصية القيادية في ظل الازدواج والتداخل في تنفيذ المهام وتنازع القرار الذي نراه في عدن، كافياً ليكون ناجحاً؟!. إن عدم تكرار زرع المعوقات أمام القيادة الجديدة وتقديم لها العون والمساعدة والكف عن التوظيف السياسي للمناصب أو الارتهان لسياسة الأحزاب واملاءاتها من قبل أصحاب القرار الرئاسي والحكومي والتيارات السياسية وأولها الانتقالي الجنوبي سيكون له تأثيراً كبيراً في تحقيق إنجازات ملموسه لإعادة تطبيع الأوضاع والحياة في عدن، أما في ظل استمرار هذه المعوقات والعراقيل، فلن يستطيع المحافظ الجديد تأسيس اي مشروع خدمي وتنموي اجتماعي يرتبط بأبناء عدن يجعلهم يلتفون حوله داعمين له والذي من خلاله يمكن ان يستمد عوامل وفرص إحراز النجاح لإنقاذ عدن وإخراجها إلى النور.
إن الاستقرار السياسي هو أفضل العوامل الضامنه للنجاح، وانتشال المحافظ الجديد، وضع مدينة عدن والنفخ في روحها لاستعادة الحياة والخدمات والسلم الاجتماعي فيها من جديد، وهذا الاستقرار لن يتأتى في حال استمرار عدن كمحور صراع، والتجاذبات السياسية بين الاطراف المحلية، أو بقائها ساحة لتصفية الصراع الإقليمي في وقت كان يأمل أبناؤها أن يكون لعدن وضع إداري خاص واستقلالية خاصة، واخراجها من دائرة الابتزاز والصراع السياسي الذي ألقى بظلاله سلبًا على استقرار الحياة العامة فيها. كما ان منح المحافظ الجديد الصلاحيات الكاملة من قبل اصحاب القرار الحكومة اليمنية، دول التحالف الأحزاب، وتقديم المساعدة والعون له سيحقق الاستقرار المطلوب لمدينة عدن المطلة على ممرات الملاحة البحرية الدولية، وهو ما يلبي أيضا الأهداف والمتطلبات المنضوية في إطار حماية الأمن الإقليمي والخليجي كأحد أهداف التحالف العربي وعاصفة الحزم. ومع كل هذه الآمال والطموحات التي نبوح بها يبقى السؤال الذي يتردد في المقايل والمجالس واركان الحواري في عدن حاضراً، هل سينجح المحافظ الجديد في إنقاذ عدن؟ نقلًا عن صحيفة الأيام