بداية نبارك للطلاب الذين تخرجوا من مرحلة الثانوية العامة هذا العام؛ خصوصا أولئك الذين جدوا واجتهدوا خلال دراستهم منذ الأول ابتدائي، وحالت ظروف العام الدراسي الفائت دون دراستهم، وكانوا حزينين لإنهم لم يدرسوا الصف الثالث ثانوي لأسباب خارجة عن إرادتهم.
نبارك لهم تخرجهم، آملين منهم أن يأخذوا الدروس التي فاتتهم في منهج ثالث ثانوي بكل جدية؛ سواء عند مدرسيهم، أو بأي وسيلة؛ خصوصا المواد العلمية، فتجاوز المنهج خطأ فادح، سيؤثر سلبا على مستوياتكم عند التقدم في امتحانات الجامعة أو حتى عند الدراسة فيها.
وأما بخصوص الدرجات النهائية التي حصل عليها البعض، وما دونها من الدرجات الكبيرة التي حصل عليها البعض الآخر، فإنها تشبه عطية السارق الذي يعطي ما لا يملك لمن "يستحق"، ومن لا يستحق. نتوجه بهذا النداء لكل من بقي له ضمير حي - في هذا البلد الذي بات سوقا لبيع الضمائر، وكل قيمة جميلة - كي يخرج من هذا الصمت المخزي، ليرفع صوته: كفى سقوطا في الهاوية؛ بل كفى بقاء في قعرها المظلم.
إذا كانت جائحة كورونا التي أصابت العالم عرقلت سير الدراسة في الدول التي أصابها هذا الفيروس؛ فإن وزارات التربية والمؤسسات التعليمية في هذه الدول لم تخترع مثل هذه الطريقة السيئة في مضمونها وطريقتها وآثارها على الجيل وعلى أخلاق المجتمع وقيم الحياة.
لم نسمع أن وزارة التربية في أي دولة أعفت الطلاب من الدراسة، أو من الاختبار، أو أنها منحتهم شهادات ودرجات بدون ضابط من مبدأ أوضمير، وبدون أي معيار تربوي علمي كما هو الحال في بلادنا ! أية هاوية سحيقة سقطت فيه وزارة التربية والتعليم . بل أي قيمة بقيت لنا بعد هذا السقوط المخزي . ماذا بقي للمجتمع من قيمة جميلة .
ماذا بقي من سنن الحياة وقوانين البقاء لم نتجاوزه ! المصيبة الكبيرة بعد كل هذا السقوط في وحل الفساد التربوي والأخلاقي أن بين صفوفنا ومن أبناء جلدتنا من يدعو المجتمع إلى تقبل هذا الوضع؛ الذي يقتل المبادئ والقيم والأخلاق في نفوس الأجيال، وسيخلق جيلا سيكون قنبلة موقوتة في وجه الجميع، بل في وجه مستقبله.
نعم، نقولها بكل أسف: هناك من يريد أن يكون العام الدراسي الحالي كالعام الذي قبله، حيث لا يدرك البعض النتائج الخطيرة التي ستخلفها هذه المواقف غير المحسوبة.
يبرر البعض بأن ما يقومون به هو لأجل مصلحة المعلمين، ومصلحة المجتمع . نتفهم الوضع السيئ للمعلمين ونطالب معهم الحكومة بصرف حقوقهم كاملة غير منقوصة، ولكن بدون إغلاق المدارس .
قولوا لي بربكم ماذا نتوقع من أولادنا إن نحن رضينا بأن يكونوا خارج المدارس ! أي مصيبة ستحل بنا - فوق هذه المصائب - إن لم يتدارك العقلاء الموقف، فيأخذوا بيد أولادهم إلى المدارس كي يتعلموا .
نتمنى من أصحاب العقول الناضجة، والضمائر النقية أن يعملوا على توجيه الجيل إلى صفوف العلم وساحات المدارس .
فالتعليم يجب أن يستمر تحت أي ظرف؛ في الحرب أو السلم، في المنشط أو المكره، تحت سقف دولة، أو تحت سقف احتلال؛ فالحرية لن يحرزها جيل جاهل، كما لن يستطيع الحفاظ عليها، و الاستقلال يحتاج إلى عقول تعي وتفكر وتنتج، والجهل عدو ذلك كله .
فهل نعي ما نحن عليه، وإلى أين ستنتهي بنا هذه السلوكيات المفجعة !