"ماشي معي يا أُستاذ" !

    في أواخر عام 1986 تعينت مدرسا بواحات البادية ..ارض البدو والرعيان ..براتب 55 دينار اشتري بها كل المواد الضرورية وبسعر ثابت ..وعليه فقد عشقت مهنة التدريس حد الثماله ..وحصدت الشهادات التقديرية تلو الاخرى… ثم تعينت نائبا لمدير مدرسة الشهيد احمد علي حيدرة الطريقي… وفي احد الأيام اتوني بطالب قيل عنه انه مهمل في دروسه ..ولاتوجد معه غير اربعه دفاتر ..ويكتب جميع الواجبات مقسمه عليها ..والمطلوب ثمانية دفاتر ..وعلى الفور لم استوضح في الأمر ومن خلال شكل الطالب أمرت بطردة وإحضار والي أمرة ..خرج الطالب وهو يجر خيبة الأمل ..ومكث بجانب حائط المدرسة ..فأخطروني ان الطالب يبكي وينتحب ..فخرجت مسرعا ..لأستطلع الأمر ..فوجدت تلميذي منكب جالس القرفصه وواضع رأسه على ركبتيه ..يبكي بكاءا مريرا… فقلت مايبكيك ياولدي ولماذا لاتذهب لإحضار والدك ..فرد علي بوي مات وخالي بايلبجني ومحد بايجي معي ..وانا ماشي معي ياأستاذ… ياإلهي فقد ألمني ذلك واحرقني ..فمسحت رأسه بعدما فاضت مدامعي وضميته على صدري… وأمرت بدخوله الصف ومن ذيك اليوم أمرت المعلمين ان يعاملون تلميذي معامله خاصه… فرق الزمان بيننا وكادت قصة تلميذي ان يطغى عليها النسيان نتيجة الاحداث والمآس التي عصفت بوطني الحبيب ..وقبل عدة شهور ومن مشيئة الصدف والاقدار حينما كنت مصاحبا لزوجتي أم ريحان في رحلة إلى ابين لزيارة مرضيه لأحد اقرباءنا ..استوقفني وعلى مدخل المدينة طقم عسكري .. فتوجست خيفه وريبه في الأمر ..وإذا بضابط وسيم وفي غاية الاناقه ..قد تقدم علي بخطوات ثابته ومنتظمه وهو مطأطأ الرأس وعلامات الحياء والخجل عنوان لمحياه… فأمرني ان اترجل من سيارتي الصغيرة ..وإذا به يمطرني بالقبل على رأسي ..ويقول هل عرفتني ياأستاذ انا فلان ..خانتني ذاكرتي لبعض الثواني لكني تذكرته ..وضحكت كثيرا للموقف واشرت لأم ريحان التي كانت ترتجف من الخوف ان هذا ولدي واثبت لها وانا اقرص اذنه… عرض علي خدماته ومن ضمنها اقسم علي إلا ان يعبي سيارتي بالبنزين ..وداعت تلميذي الضابط وانا اردد سبحان الله الذي لايهمل ولايضيع احد… اعود لحكاية التدريس.. انتقلت من مدرسة الشهيد الطريقي ..الى مدرسة طارق بن زياد ..المجاورة لوادينا ..وياجارة الوادي طربت ..وعادني مايشبه الاحلام من ذكراك ..وكلما انتقلت من مكان الى مكان بكيت على ماتركت فأنا جياش المشاعر ولا أستطيع حبس دموعي عند النوائب والمحنات .. ثم اقترنت وتزوجت أم ريحان وفي احد الأيام اشارت علي أمي ان اترك الباديه واجمع زوجتاي وبناتي المصابات بالصمم والبكم بمدينة مودية… ليتعلموا مهنة وحرفة الخياطة انتقلت وكان لي مااريد في ذلك حيث فتحت ذراعيها لي مدينة مودية واحتوتني .. لكنني لن انسى فلازالت صورة أمي ماثله أمامي وهي تودعني .. وتشيح بوجهها عني وتداري عني دموعها .. وكلما تقدمت بي السنون لازلت امني نفسي واترك اولادي في المدينة واذهب لأعيش ماتبقى من عمري في قريتي جنتي وفردوسي الضائع… فلازالت الذكريات حاضرة امامي مع غروب الشمس وانا اتأمل سوداء بني عصبان ..وامقدمه ومحدب وسوداء مقبله وثارة وعران ..ومذياعي الجلد وهو يصدح باابن الفقيه من مننا معصوم ماقد يوم زل من مننا واحد وعمرة ماعمل زلال ..وقل للزمان ارجع يازمان… بقلم محمد صائل مقط A