تجدون بعض الناس اليوم يطرحون هذا السؤال - وبخاصة في اليمن بعد انقلاب الحوثيين وتمردهم وما أثاروه من بلابل وتفرق لدى كثير من العوام والنشء - فيقال أين الحق ؟ أو من هم أهل الحق ؟
وللجواب على ذلك أقول مستعيناً بالله :-
هناك أربع مقدمات :-
الأولى :- يجب على المسلم أن يتعرف على الحق وأهله من كتاب الله تعالى وما صح من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهذا القدر النظري متفق عليه بين جميع المسلمين، فإذا عُرف الحق عُرف أهله . وأما من لا يقيم للكتاب والسنة وزناً أولا يرى نفسه ملزماً بهما أولديه معايير من غيرهما فالنقاش معه مختلف باعتبار أنه مفارق للحق ولأهل الإسلام فيدعى إلى الإسلام أولاً.
الثانية :- النموذج العملي لأهل الحق هم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم لسببين أساسيين :- الأول :- إخباره سبحانه برضاه عنهم في كتابه وتزكيته لهم أ- : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ) [التوبة ) :100] ب- : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا [الفتح:29] ج - :- ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]
ج - : ( لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10] د - : ( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [المجادلة:8-10] فهذه الآيات كلها تدل على فضل الصحابة وتزكية الله لهم وليس بعد شهادة الله شهادة . الثاني :- معاصرتهم وصحبتهم لصاحب الرسالة المعصوم عليه الصلاة والسلام والمثل الأعلى وثناؤه عليهم لصبرهم وجهادهم وتضحيتهم واستقامتهم وكفى بها شهادة ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن الفرقة الناجية قال : (ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) وقال فيهم : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم .... الحديث الثالثة :- غني عن الإيضاح أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيهم رافضي سبّاب لآحاد الصحابة فضلاً عن أئمتهم كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم ، وليس فيهم خارجي غالٍ أو مرجئ ٌ ولا جهميٌ ضال وليس فيهم من لايؤمن بالقدر خيره وشره من الله ،ولا قبوريٌ يستغيث بالموتى ويرجو منهم دفع المضار أو جلب المنافع ومن باب أولى ليس فيهم من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض كمن لايسلم بشريعة الاسلام من أرباب المذاهب البشرية كالعلمانية وليس فيهم من يقدم الروابط القومية والسلالية العنصرية أوالجهوية المناطقية على رابطة ( إنّما المؤمنون إخوة ) . وعلى ذلك فمن كان من هذه الطوائف والفرق المخالفة لأصول ومعتقد الصحابة وما كانوا عليه في العلم والعمل فهو ممن فرقوا دينهم وكانوا شيعاً وبمقدار بعده عنهم يكون بعده عن الإسلام والحق والعكس صحيح .
الرابعة :- يتعين معرفة واقع التجمعات والفرق المعاصرة - التي لم تفارق الصحابة في الكليات وأصول الإعتقاد - حتى نستطيع الحكم على فئة - أ - منهم أو ب - أو ج - ... الخ بأنها قد اقتربت الى نموذج جيل الصحابة بنسبةٍ مّا قلّت أوكثرت بعد الاقرار بتعذر تكرار نموذج الجيل الأول - الصحابة - في جميع المجالات لكن السداد والمقاربة يمكن باعتبار الرسالة خالدة وبقاء الحق وأهله مقطوع به إلى قيام الساعة واستحالة خلو الأرض من أهل الحق وتركها لأهل الباطل - عدا فترة قصيرة- قبيل قيام الساعة كما ورد في الأحاديث . وإذا تبين ذلك فليس أمام المكلف اليوم إلا طريقان :-
الأول :- هو التحري والبحث والتجرد لله - بعد الاستعانة به سبحانه- في معرفة الأقرب إلى الصواب مقارنة بالنموذج المزكى فيعمل معهم دون تعصب لهم في كل ماهم عليه بالحق وبالباطل والخطأ والصواب . وإنما يوافقهم ويعينهم في ما أصابوا فيه ويناصحهم ولا يعينهم في ما أخطأوا فيه وجانبوا فيه الحق فيكون معهم عاملاً و محتسباً عليهم .
الثاني :- في حال ما إذا لم يترجح لديه الأقرب إلى الصواب - بعد بذل الوسع - فعليه والحالة هذه أن يكون عوناً لفئة أ- في الحق الذي تحمله وعوناً لفئة ب - في الحق الذي معها وهكذا ومناصحاً للجميع في ما خالفوا فيه الصواب وهذا الطريق وإن كان أقل درجة من سابقه باعتبار الاسلام دين اجتماع وتناصر على الحق وتعاون على البر والتقوى ولما فيه من الفروض الكفائية التي لا يمكن قيامها بالأفراد المتناثرة ولما يواجهه اليوم من التحديات والمؤامرات التي تتطلب قيام أمة متماسكة وقوية إلا أنه خير من العزلة المحضة والانطواء عن أهل الحق في الجملة لأن الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين أبعد وكما في الحديث إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، ويد الله مع الجماعة .
اللهم اهدنا صراطك المستقيم