ياغائب متى باتعود؟

الأرتباط بالتراب والاهل والوطن، والحب الدفين في وجدان كل وطني يحب بلاده ويعشقها مهما هاجر وتغرب...وفي نفس الوقت هو يحتاج الى من يتولاه بالرعاية والعنايه...حتى يصير كشجرة أصلها ثابت بالأرض وفروعها في السماء لم أعرف  الأغتراب ، بعيدا عن هذه المقدسات مهما ضاقت بك الحياة ، وقد تحس بها حتى عند الأنتقال من محافظة الى اخرى من اجل العمل داخل الوطن...وبما يسميها الكثيرون بالهجرة الداخلية للعمل والبحث عن الرزق وهي من الحالات الصحية والجيدة من وجهة نظر كثيرون  كونها تعمق الوحدة الوطنية وقبول الاخر بالتعايش بين المجتمعات المحلية وثقافتها ولهجتها وهي موجودة على الخارطة الوطنية في عموم الوطن الحبيب...

ولعلى دوافع الهجرة أو الاغتراب  كثيرة ومتشابهة فقد ادى ضيق  الحياة والتدهور الاقتصادي في البلد وفي فترات زمنية متفاوته  الى أن يبحث الفرد له عن مخرج حتى يستطيع  تحسين مستواه المعيشي هو وأسرته...حيث هاجر واغترب الكثيرون للسعي والعمل خارج الوطن وقد تناولت الادبيات اليمنية نماذج من صور الاغتراب فنيا وادبيا عكست حالة الشوق والشجن والمعاناه في الاغتراب وجسدتها بصور شتى....أذكر هنا منها أولا عنوان مقالي اللحن الجميل واغنية ياغائب متى باتعود التي أبدع فيها الفنان شريف ناجي رحمه الله وقدمها أيضا المبدع الفنان فضل كريدي شفاه الله بأسلوبه المتميز..وحمل هذا اللحن الجميل والكلمة الرائعة معاني كبيرة وجميلة وهناك سلسلة من الاغاني لمطربين كبار منها رائعة الفنان فيصل علوي رحمه الله( شوقي اليكم شوق عصفور الشجر ) التي كانت عنوان في اذاعة عدن الرائدة في برنامج خاص بالمغتربين في ثمانينيات القرن الماضي، والرائعة (دعوة الاوطان) ،  والملحمة  ذات الشجون للشاعر مهدي علي حمدون ( ضناني الشوق) التي غناها ولحنها المرشدي رحمه الله وقدمها  أيضا فنان العرب محمد عبده...هذه نماذج فقط لتراث ضخم ومعبر وكانت مؤثرة حيث ربطت المغترب والمهاجر بالوطن وحتى لا أنسى أيضا أغنية من كل قلبي احبك يابلادي للراحل أحمد قاسم كلمات ولحن حين تسمعها تهز مشاعرك وحنينك وأنتماءك للوطن أينما كنت ، بل يصل البعض الى أن يجهش بالبكاء وقد سمعتها من عشرات ممن يدركوا معاني الكلمات العظيمة وهناك نماذج فنية وادبية يمنية كانت خير معبر جسدت لنا أدوارهم معاني كثيرة عن الغربة والألق من أمثال على أحمد باكثير ، أبوبكر سالم بلفقية وطابور كبير في مجالات اخرى علمية وأقتصادية وتجارية وأعلامية ورياضية .... الخ 

لذا تجدحكايات المهاجرين والمغتربين ممن لازالوا في الغربة  أوحتى من عاد منهم قد تفاوتت  عندهم الاسباب والظروف، لكن الهدف كان واحد هو تحسين المستوى المعيشي ، وفي ظل عديد الاسباب تلك ، فقد اتجه كثيرون للاغتراب الذي أصبح في نظرهم بمثابة الضوء الاخضر وجواز المرور والوصول لاهدافهم واحلامهم كانت صغيرة أوكبيرة ، فقد صار الاغتراب عادة من عادات المجتمع وانغرست ونمت وترعرعت في نفوسهم... واتخذت لهم بعدا وجدانيا شاسعا على حساب أشياء اخرى كثيرة ، فمهما قلنا عن ايجابيات الاغتراب في تحسين المعيشة ورفع المعاناة عن كاهل الافراد والمجتمع وفي ظل الازمات الاقتصادية والتدهور الذي اصاب وطننا العزيز كباقي الدول النامية_ حيث اعتمدت أيرادات المغتربين لدعم الخزائن الخاوية والحصول على العملة الصعبة ورغم اسهامات ومشاركة المغتربين بما لديهم من امكانيات مادية في دعم وتطوير بلادهم ومناطقهم وتوفير حياة كريمة لذويهم فقد خلقوا لانفسهم طبقة جديدة في المجتمع افادتهم من ناحية ومن ناحية اخرى أضرتهم لاسيما الحياة التي يعيشونها في بلاد الاغتراب والبعد عن كل عزيز لديهم  لكن هناك مئات بل ألاف من النماذج التي عادت أو ظلت في مهجرها شرفت الوطن وقدمت خدمات جليلة للبلاد والعباد وفي المقدمة مشاريع خدمة القرى والمدن والمواطن ....فتحية لكل هؤلاء....

 فالأنسان معروف منذو القدم بتطوره وهناك كثيرا ممانعرفه وسمعناه  أو أطلعنا عليه في السيرة التاريخية لليمني القديم عن الهجرة  حيث كنا نحن اليمانيون السباقون  منذو الفتوحات الاسلامية المشرقة في مشارق الارض ومغاربها بل كان معظم قادة الفتوحات الاسلامية يمانيون بأمتياز ، فأنتشرنا  في الارض الى كل الدنيا...والتاريخ يحدثك عن أمجاد وافعال وكرم وعطاء وأعمار وبناء وسلوك  الانسان اليمني...

 اذا أردت قراءة التاريخ من زاوية المعرفة والفهم وليس التسطيح والتجهيل الذي يمارس اليوم.... وفي التاريخ المعاصر نحن موجودون في الشرق الاسيوي والقرن الافريقي وبالملايين اذا لم أبالغ فقد تواجد المغترب والمهاجر اليمني في القرن العشرين بعد الطفرة النفطية في دول الجوار بالخليج العربي والسعودية وتحديدا في الستة العقود الاخيرة...وساهم اليماني كعادته في اعمار وبناء هذه الكيانات والدويلات بجهد لاينكره ألا جاحدا منهم في كل المجالات وعلى كافة الأصعد في البناء والتعمير والتجارة والاقتصاد بل وحتى في رؤوس الاموال والثقافة والأعلام _ فعطاء الانسان اليمني وسلوكه وأمانته وصدقه هو الجوهر الحقيقي الذي يجب أن نسلط عليه على الدوام فهو خير سفير للامة اليمنية أينما حل وذهب.، .ومن يشكك فليسأل عن اليمانيون في اكبر بلد أسلامي سكانيا أندونيسيا وعلى أرض الواقع وفي كل شرق أسيا....فاليمني ثابر واجتهد وتميز.ويشار له بالبنان في تلك المجتمعات....فأين نحن بالداخل من كل هذا.....حكومات على مدى ستون عاما تستغل المغترب ولم تقدم له شيئا يذكر سوى بعض الهرطقات والتدليس خدمة لسياسة كل مرحلة تحت مسميات وزارة اولجنة للمغتربين...فهذا اصبح من العبث...

ولدي وجهة نظر بذلك...كوننا نمتلك هذا العدد الكبير من أهلنا في المهجر ممن سعوا للرزق وتميزوا وساهموا بل وأصبحوا ابناءهم قادة في مجتمعات ناجحة...لماذا لانعطي وزارة المغتربين من الالف الى الياء...الى هذه النماذج المشرفة في كل أصقاع الدنيا...ولتكن بوابة لخدمة الوطن وأعماره وربما في كل قطاعات الدولة....وستجده يقدم معطيات وأفكار تتفق مع مواكبة العالم بدلا من تعيين اكثر من ألف موظف لايعرف معظمهم محافظات الجمهورية ولم يقرأ تاريخها حتى  أو وزير وطاقم وزارة لايستطيع يخرج من قوقعة قريته أو منطقته للأسف ؟!

 ومااريد أقوله أن مايسمى وزارة للمغتربين يجب أن تكون للكفاءات من المغتربين وابناءهم المتفوقين ونشركهم في بناء وطنهم الأم....اليمن العظيم