عدت من العمل ظهر هذا اليوم وأنا منهك الفكر والجسم ، قررت أن أنام فأغلقت هاتفي الجوال ، لكنني ما إن بدأت أغرق في النوم حتى سمعت ابني يناديني قم يا أبي ، صحوت من نومي غاضبا ، ألم أقل لك يابني إنني بحاجة إلى قليل من الراحة فلا أحد يزعجني ؟ بلى يا أبي ولكنه صديقك إياد ونحن نعلم منزلته في نفسك ؛ لذلك رأينا أن نزعجك أهون من أن نصرفه عنك ، أهاه لا بأس عليك يابني دعه يدخل ، فإياد عرفته زميلا في الثانوية العامة ، وزميلا في البكلاريوس وكذلك في التخصص فكنا كاثنين في قارب المعرفة يتبادلان المجداف وهما يجوبان بحر اللغة العربية ، وبقينا صديقين حتى نلنا شهادتي الماجستير والدكتوراه ، وبعد ذلك تميز إياد بقلمه الرصين ورأيه الحر ، انقادت له الكلم بعد أن تمكن من الإمساك بنواصيها ، تشتم الرائحة الطيبة من بعد التي تنبعث من أفكار أبحاثه وإذا مانظرت إليها بعين الناقد وجدتها بارزة تعرف بنفسها كالغرة في جبين الفرس الأسود ، أخلاقه رفيعة ، صادق في كل مايطرح ، لاتأخذه في الصدع بالحق لومة لائم .....نعتذر منك أخي القارئ فربما يتسلل إليك الملل من الاستطراد ؛ لذلك نعود إلى حيث كنا ..... خيرا ياإياد فلم أعتد زيارتك في مثل هذا الوقت ... لا أدري من أين أبدأ ياصديقي ... إنني مكلوم الفؤاد ، كثير السهاد ، غادرتني شهية الطعام ، ورياضة الفكر والأقلام ، ولم أعد أرغب في القراءة أو الكتابة أو الإمساك بناصية نوافر الكلام فقلت أمر عليك لتخرج معي إلى شاطئ البحر لعل في مرافقتك مايرفع عني شيئا من الإحباط الذي أصابني من أرباب الحسد وفعل اللئام . جلسنا على الشاطئ والأمواج تقترب منا وتبتعد وكأنها أم تعلم وليدها السير ، تقترب منه تارة فتمسك بيديه حتى يقف ثم تحاول الابتعاد عنه والسير إلى الخلف مع مناداتها له والتأشير بيديها كي يلحق بها ، فإذا ما أطلق خطوته الأولى ثم حاول تعزيزها بالخطوة الثانية ، تمايل يمينا وشمالا منذرا بالسقوط ، عادت الأم مسرعة لتمنع عنه السقوط ..... هيا احك لي ياإياد ماذا جرى لك ؟ ياصديقي لقد تقدمت ببحث في مجلة للنشر ، وفي الوقت الذي أنتظر عودة البحث من المحكم مع قليل من الملاحظات الهامشية التي عادة مايتعمد الباحث المتمكن تركها لإرضاء غرور المحكم ، أتفاجأ بعدم قبول البحث جملة وتفصيلا من عنوانه إلى خاتمته فضلا عن إصدار المحكم ألفاظا نابية بحق الباحث لاتليق بقائلها إن كان من العامة أو السوقة ، أما إذا سلمنا بأنه أكاديمي فالمصيبة أعظم .... اسمع ياصديقي نحن في مجتمع يأكله الحسد كما تأكل النار الحطب ؛ لذلك تجدهم عاجزين عن تقديم الأفضل والمنافسة الشريفة فيلجأون إلى محاربة الناجح وقتل الإبداع والمبدعين وتدمير النبوغ والنابغين ... فكيف سيتركونك والواحد منهم أعجز من أن يكتب جملة تشبه جملك أو فقرة تحاكي فقراتك ، واعلم ياصديقي أن كل مايسعون إليه إنما هو أن يحبطوك ويدمروا شخصك المبدع ويقتلوا فيك القدرة على العطاء ، فإياك إياك أن تنحني لرغباتهم أو أن تحترق بنيران حسدهم ، واعلم أنهم لن يضروك إلا أذى ولن يصيبوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ...واعلم أنهم لن يتركوك مادمت مبدعا ولن ينصرفوا عنك ماكنت ناجحا ، فهذا ديدنهم وتلك ثقافتهم . فليس لك ياصديقي إلا أن تتوكل على الله وتنطلق ولاتلتفت لما يصنعون ، فدعهم في غيظهم يعمهون فو الله والله إن في ذلك موتهم ....وقد قال الشاعر : كل العداوات قد ترجى مودتها ** إلا عداوة من عاداك عن حسد واعلم ياصديقي أن في الأمر متسعا فارسل بحوثك إلى مجلات محترمة تليق بقلمك وتخلد فكرك وتحترم تميزك ..... إن قصة إياد ماهي إلا نقطة في بحر من الحسد الذي نعيش فيه فلا يكاد يسطع نجم أحدهم حتى يظهر له ألف معول لهدمه فلا يوجد مبدع أو حر أو أي شخص ناجح إلا حاربه الحاسدون ولننظر كيف يتميز من يغادر هذه البيئة ويصبح ممن يشار إليه بالبنان ولكن إذا ما عاد فسيجد من يناصبه العداء لا لشيء إلا لأنه متميز فما هذه البيئة التي تشبه جهنما !!!! فإذا ما رقي أحدهم تجدهم يحسدونه ولا يتمنون له ذلك وإذا ما أنعم الله على شخص بمال أو علم أو ولد وجدتهم يضمرون له الشر والكره وتمني زوال النعمة عنه ويحاولون الانتقاص منه وتشويه صورته ، إنها بيئة موبوءة يصعب العيش فيها لأولئك المتميزين ........
المبدعون في مرمى الحاسدين
2021/06/15 - الساعة 08:05 مساءً