كان الطاغية أحمد حميد الدين واليا على تعز أغلب فترة حكم والده يحيى. وإثر مصرع أبيه الإمام على يد أحرار الحركة الدستورية عام 1948 وتمكنه من إفشال محاولتهم أعلن نفسه إماماً لكنه لم ينتقل للعاصمة صنعاء مخافة أن يواجه فيها مصير أبيه، ولذا بقي في تعز طيلة فترة إمامته لم يغادرها إلا للعلاج أو الزيارة.
ورغم طول فترة (أحمد يا جناه) في تعز والياً ثم إماماً، وما اشتهر به من تطرف وتعصب كهنوتي ودموية، لم يفكر بالاقتراب من طريقة الناس في الاعتقاد والتمذهب، لإدراكه حساسية وخطورة الموضوع. لم يجبر المجتمع السني على السربلة وإضافات الأذان أو اعتناق خرافات مذهبه الزيدي، بل اتخذ مسجداً صغيراً يمارس فيه تقاليد مذهبه بعيداً عن أعين الناس لتجنب استفزازهم وإيذاء مشاعرهم وخصوصياتهم.
باختصار، أدرك الفرق بين موقعه وسلطته وواجباتها ومتطلباتها، وقناعاته الخاصة، واكتفى أن يفرض نفوذه وينهب أموالهم بمسميات غير منتهية من الجبايات. لكن الحوثية تأتي في عصر الفضاء المفتوح وانتشار التعليم والوعي، متوهمة القدرة الأبدية على فرض كل خرافاتها وجنونها مهما بدت غريبة على المجتمع وتقاليده وخصوصياته.
بكل أدوات السلطة والقسر والتضليل، ساق الحوثيون الناس في مناطق بينها شرعب وماوية والبيضاء وإب وتهامة وريمة إلى ما يسمونه "عيد الغدير"، الحدث والتحشيد العنصري والمذهبي الذي لا يهم أهل تلك المناطق ولا يعرفونه في ماضيهم أو يعتقدونه أو حتى يكون لهم فيه مصلحة دنيوية.
لم ينتهوا من حشد الناس لخرافة الغدير، حتى عادوا في اليوم التالي مباشرة يسخرون كل ممتلكات الدولة ومؤسساتها ومنابرها العلمية والثقافية والإدارية للاحتفال بحدث لم يعهدوه أبداً قبل هذا العام هو (ذكرى السنوية لوفاة والدهم بدر الدين)!!
بن حبتور يلقي كلمة في المركز الثقافي بصنعاء في الذكرى السنوية لرحيل سيدهم بدر الدين! ندوة في جامع الجند بتعز بذكرى بدر الدين، وفعالية لمكتب إرشاد إب وأخرى لهيئة أوقاف ريمة، وفعالية في المحويت وأمسية في حجة وواحدة في جامعة صنعاء والعدين والمحويت والحديدة وذمار وصعدة وغيرها !!
في كلمته قال بن حبتور، إن ذكرى رحيل (الحبيب) بدر الدين تذكره شخصياً بجهود الراحل في تفسيره للقرآن الكريم و(جملة كتبه وحواراته التي سطرها مبكراً) مبيناً أن (أحاديث قائد الثورة "الحبيب" عبدالملك لا يستجر فيها الماضي) معلنا التوجه الجدي نحو "تخصيص قسم علمي أو كلية في أي من الجامعات اليمنية" تهتم بفكر الحبيب الابن عبدالملك والحبيب الاب أكاديميا وطبعا لن ينسى فكر الحبيب المؤسس حسين والحبوبة بشرى وبقية الأحبة!
في فعالية صعدة اختصر الحبيب يحيى بدر الدين سيرة والده ولم يطلق عليه حتى صفة (الحبيب) التي اخترعها بن حبتور، قال إن والده كان يهتم بالعلم والتعلم منذ الصغر، لم يتوسع أكثر فهو يدرك أن صعده تعرف جيداً أن والده الراحل كان مجرد مشعوذ يبيع الحروز والطلاسم ويعتاش على صدقات الناس، وأنه لولا بركات الانقلاب واختطاف الدولة لما تذكره أحد حتى أبناؤه!
ماذا يجري يا بني هاشم ؟! هل تعتقدون فعلا أن كلية بن حبتور لدراسة فكر سيدي بدر وتفسيره وكتبه ستعالج جراح اليمنيين التي تحدثونها كل يوم؟، وهل صدقتم بن حبتور نفسه في هذا الهراء والسخف؟ أو أنه حضر معكم لاعتقاده بأهمية عجوزكم الراحل وفكركم الظلامي؟!
أما من يستغرب لماذا يفعلون كل هذا القبح الذي لم يفعله حتى الأئمة قبلهم ويريد معرفة دوافعهم فالجواب الوحيد، هو أن هذه العصابة أصابتها نشوة التمكن غير المستحق فعميت حتى عن قراءة مصائر وتجارب أسلافها، رغم أن ظروف أولئك كانت أفضل لهم بكثير من واقع الغلمان الجدد!!
وإن غدا لناظره قريب.