عند الساعة الثالثة والنصف فجرًا، وفي الطريق الرابط بين محافظة إب ومحافظة الحديدة، وتحديدًا بعد مديرية العدين في نقطة أمنية بمنطقة تدعى"الخميس" كنا مجموعة من المسافرين أغلبهم عمال بسطاء قادمين من محافظات متعددة، استوقفنا مسلحين غرباء ومتعجرفين يتبعون عصابات الحوثي، طلبوا بطائق الركاب، منحناهم بطائقنا، استمروا في التحقيقات بشكل رث ومتعالي وبلغة عنيفة، تأخرنا لربع ساعة، وقبلها كان جميع المسافرين قد تأخروا 9 ساعات متواصلة بسبب انقطاع الخط منذ المساء.
كان جميع الركاب ضجرون ويتأففون بشكل صامت..! وكان معنا مسافر من تهامة تبدو على ملامحه الإرهاق، رجل متعب ومكروب لا أحد يعلم ما حاله، لفت نظري منذ البداية، كان يجلس في المقعد الذي خلفي مباشرة ًوطول الخط وهو يطلق تنهيدات وينتف شعر رأسه، الرجل مغترب عن أهله، ويعمل في بيع العطور في مدينة "المكلا" ومنذ ساعات وهو يقطع الصحاري والجبال لزيارة أسرته بالعيد.
طلب منه المسلح البطاقه، أخبره أنه لا يملك بطاقة.
قال له: هل تعرف الشيخ موسى الحاج، اتصل به وأخبره أنك محتجز..؟.
رد عليه الرجل: أنا من تهامة ولا أعرف الشيخ موسى، مافيش معي شيخ وأشتي أروح أتسحر عند عيالي عشان أصوم "يوم عرفه".
رد عليه المسلح : خلي بالك اليوم السحور عندنا.
تأفف الرجل: يا أخي ما أشتي سحورك، إيش تشتي مني خل لي حالي أمشي.
ما إن أطلق الرجل جملته الأخيرة؛ حتى انهال عليه المسلح بالضرب داخل الباص، وتلفظ ضدّه ببذاءة، حاول الرجل يدافع عن نفسه ولم يستطع، تعالى الصياح ومباشرة تجمع ثلاثة مسلحين، واحد يدق رأس الرجل بالسلاح من نافذة الباص والأخر يسحبه من رجليه من الباب والثالث يفتح عليه الأمان ويشده من عنقه بالثياب والرابع يقبض البندقية بكلتا يديه ويضرب بها بطن الرجل وصدره، أربعة مسلحين احتشدوا بكل أدواتهم وأوسعوا الرجل ضربًا وإهانة، بأيديهم وبأعقاب بنادقهم، كانوا يتجاذبون جسده بوحشية كما الضباع الشاردة ويسبونه.. والرجل يرتجف ويصيح:
إيش فعلت بكم ليش تضربوني؟
ومباشرة يرد عليه أحدهم: انزل يا ابن الق...ة، أنت داعشي_ عفاشي، ترسل إحداثيات للعدو..!.
شعرت بالغضب، بالقهر، بالذل، في تلك اللحظة أحسست من أعماق قلبي بمعنى أن يفقد الإنسان كرامته، كنت عاريًا ومكشوفًا في مواجهة مباشرة مع القيم الكبرى التى ندافع عنها، وكانت كل لكمة توجه للرجل كانها تسقط على جسدي، ماذا بوسعي أن أفعل..؟ تمنيت لو تنشق الأرض أمامي في تلك اللحظة على أن أرى إنسانًا يهان أمامي بتلك الطريقة وأقف عاجزًا عن حمايته..! أغلب الركاب صامتين، وبعضهم يطالبه بالنزول، حاولت أتدخل بشكل حذر وأنا أدرك طبائع المسلحين العنيفة؛ إذ سرعان ما يتوجهون لأي شخص يرفع كلمة عند اشتباكهم مع شخص أخر.
فقلت: صلّ على النبي يا فندم مافيش داعي لكل هذا، الرجل مكسين.
رد عليّ: "لا ماشي، ضروري يتأدب حتى يعرف كيف يتكلم معنا"..!.
سحبوا الرجل بالقوة وأنزلوه، مزقوا ثيابه، كان يتكلم وشفتيه ترتجف، يكرر عبارته السابقة: ليش تضربوني، ما فعلت بكم؟
والمسلحين مستمرين في تعنيفه بالبنادق والكلام البذئ .
أحدهم أخذ بندقيته بعد أن سقطت منه ولكم بها الرجل في خده، تدخل أناس من خارج وحاولوا تهدئة المسلحين، بعدها أخذوا الرجل للتحقيقات، وطالبونا بالمرور، مشى بنا الباص مسافة قليلة، وانتظرنا؛ حتى شد وجذب كبير ثم أفرجوا عنه بعد ساعة بضمانة أحدهم، عاد الرجل إلى الباص يمشي بخطوات ثقيلة ومنكس رأسه للأسفل، جلس على مقعده ووضع يديه على وجهه ثم دفن رأسه بين رجليه كما لو كان يحاول إخفاء جرح كرامته العاري وتغطية أثر الضربات في خدوده وعلى وجهه، انتهت القصة هنا ومضينا.
والموضوع هنا، لا يتخلص في هذه القصة فحسب، هذا نموذج فقط لما شهدته بعيني، وهناك عشرات القصص أسمعها بشكل دائم من مواطنين يسافرون باستمرار في هذا الخط. خط العدين _الجراحي، الرابط بين إب والحديدة، في هذا الخط بالتحديد هناك مجموعة من اللصوص والقتلة منتشرين على طول الطريق، يتعاملون بقسوة مفرطة مع الكثير من المسافرين لأدنى سبب، وعلى وجه الخصوص في نقطة "الخميس" في هذه النقطة يبلغ عبث المسلحين ذروته، يتعاملون بإذلال دائم مع المسافرين، ينزول الركاب يفتشون أجسادهم وحقائبهم، يحققون معهم، وأدنى كلمة تأفف تواجه بالصفع والسب والضرب مباشرة وغالبًا ما يحتجزون الكثير بطريقة تعسفية ثم يفرجون عنهم بعد أن يأخذون منهم مبالغ مالية ..! مسلحين لا نعرفهم ولا يعرفوننا، جاءوا من مناطق الهضبة، من شمال الشمال، واستحدثوا النقاط على امتداد المديريات ومداخل القرى، أهانوا كرامة الناس على الطرقات ونشروا الذل والهوان في كل مكان..!.
نقطة "الخميس" واحدة من أكثر النقاط الأمنية عارًا في محافظة إب، قسوة، عنف، وحشية، بذاءة، لصوصية.
المسؤول عنها قاتل من محافظة حجة، أتمنى لو أظفر به يومًا، أقسم بشرفي لأكلن لحمه نيئًا. احفظوا ملامحه جيدًا، وثقوا كل جريمة يمارسها هو وعناصرة، ارصدوا مشائخ المديرية الجبناء المتواطيئن معهم وهم كثيرين وتعرفونهم جيدًا، يومـًا ما سنأخذ بثأر الجميع، هذا الإذلال التأريخي الذي يتعرض له الناس على يديه لا يمكن أن يمر دون عقاب..!
اللعنة عليك يا عبد الملك، اللعنة عليك أنت ودراويشك القتلة يا ابن النطفة الحرام، واللعنة علينا جميعًا إذ لم نغسل الأرض من أدران هذه العصابة وننتقم لكل مواطن بائس أراقت كرامته على الطرقات..!
من صفحة الزميل محمد دبوان المياحي