من هم الإعلاميون الذين أوقف رئيس الوزراء مرتباتهم؟

 مصطفى محمود

لم تكن أزمة مرتبات الإعلاميين في مجلس الوزراء مجرد خللٍ إداريٍ عابر، بل كانت بإعتقادي – في جوهرها – شرخًا في الصلة الرمزية التي تربط الحكومة بشرعيتها. فالحكومه، حين تفقد صوتها الداخلي، تفقد جزءًا من مبرر وجودها، والشرعية، كما يوضح هابرماس، لا تُقاس بقدرة السلطة على السيطرة، بل بمدى حفاظها على التواصل العقلاني المستمر مع المجتمع، وما حدث حين أُوقفت مرتبات الإعلاميين لما يقارب العام، لم يكن سوى انقطاعٍ في تلك السلسلة التواصلية التي تمنح الشرعية معناها الوطني والإنساني والسياسي معًا. هؤلاء الإعلاميون الذين بقوا في الداخل، لم يكونوا موظفين في جهازٍ بيروقراطيٍ جامد، بل كانوا الرئة التي تتنفس منها، حين كادت تختنق تحت ركام الحرب، فحين اختار كثيرون النجاة بالهجرة الى الخارج، قرروا هم البقاء ليحرسوا الحقيقة من قلب الخراب، ويصيغوا بالكلمة سرديةً وطنيةً تحفظ ما تبقى من المعنى الجمهوري. لكن المفارقة المؤلمة أن الحكومة – بدلًا من أن تكافئ هذا الوفاء بزيادة مرتباتهم – الزهيدة، عاقبته بعدم صرف مرتباتهم.. فأوقفت مرتبات من ظلوا يكتبون ويدافعون حين صمت الجميع. ذلك القرار لم يكن ضربةً لجيب الموظف محدود الدخل فحسب، بل صفعةً لضمير الحكومه نفسه، إذ أوحى بأن الحكومه تستطيع الاستغناء عن عقلها الإعلامي، وأنها تكتفي بالسلطة الصامتة دون وسائطها الحيوية. لقد صمت الإعلاميون طويلًا، وصمتهم هذا لم يكن استسلامًا، بل حُسن ظنٍّ بالحكومه الجديده التي اعتبروها مشروعهم الوطني والأخلاقي.. غير أن الصبر، إن طال بلا اعتراف، يتحوّل إلى غربةٍ داخل الحكومه نفسها. فحين يُقصى من حمل السردية الوطنية عن أبسط حقوقه، تتآكل الحكومه من داخلها لا من خصومها. إن مرتباتهم الزهيدة، وإن بدت رقمًا في الموازنة، تمثل في معناها الرمزي «عقد الاعتراف المتبادل» بين الحكومه ومواطنيها، إيقافها لا يُقاس بالدينار، بل بالإشارة التي تُرسلها إلى الرأي العام: أن الكلمة يمكن أن تُهان، وأن الحارس يمكن أن يُترك بلا خبزٍ ولا صوت، وهذه إشارة مدمّرة لأي مشروع يريد أن يستبقي ولاء النخبة الإعلامية أو يرمّم صورته أمام الناس. لقد كان المنتظر من رئيس الوزراء أن يُوقف نزيف الإنفاق في ملفات الإعاشة والهدر لمبلغ مايزيد عن 11 مليون دولار شهريا تصرف بغير حق لقوى عاطله في الخارج، لا أن يُوقف مرتبات قوى منتجه في الداخل أولئك الذين حموا سردية الدولة في أحلك مراحلها. فالإعلاميون ليسوا ديكورًا حول الحكومه، بل أحد أعمدتها الأخلاقية والمعرفية.. هم جسرها إلى الجمهور، ومرآتها أمام نفسها، وحين يُهدّ هذا الجسر، تفقد الحكومة القدرة على الإصغاء لذاتها. إن إعادة صرف مرتباتهم ليست منّة، بل واجب لاستعادة الانسجام بين الحكومه وضميرها. فبغيرهم، لا صوتَ للحكومه إلا صدى صمتها، ولا معنى لسلطةٍ تنسى الذين جعلوا من الكلمة وطنًا في زمنٍ صار فيه الوطنُ نفسه خبرًا مؤجلًا.