مأزق القيادات الجنوبية بين

 فارس العدني

 

في كل مرة يخرج علينا أحد قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي بحديثٍ عن “السلام العادل” و”الشراكة الحقيقية”، نجد أنفسنا أمام ذات الخطاب المكرور الذي لم يعد يقنع أحدًا. ما قاله ناصر الخبجي مؤخرًا ليس جديدًا، بل تكرار لذات اللغة التي تحاول أن تبدو واقعية بينما هي في جوهرها استجداء سياسي واضح، يكشف حجم الارتباك وفقدان البوصلة لدى من يتحدثون باسم الجنوب اليوم.

 

لقد أصبحت قضية الجنوب – على عدالتها وعمقها التاريخي – رهينة قيادات لا تدرك ما يجري من حولها. فالمعادلات الإقليمية والدولية تتغير بسرعة، وملف السلام لم يعد في أيديهم ولا ضمن دوائر تأثيرهم. ومع ذلك، يواصلون تقديم أنفسهم كأنهم “صنّاع الحل” بينما دورهم لا يتجاوز هامش المشهد الذي صُمم لهم.

 

المشكلة ليست في القضية، بل في من يمثلها. الجنوب لا يفتقر إلى المظلومية، بل إلى القيادة النزيهة والواعية والجرئية التي تدرك أن الموقف لا يُصنع بالبيانات والمنشورات، بل برؤية وطنية صادقة وبعمل سياسي منظم يُحسن قراءة الواقع بدل الاكتفاء بشعارات الماضي.

 

لقد ضحّى أبناء الجنوب بدمائهم دفاعًا عن كرامتهم، لكنهم اليوم يرون من يتحدث باسمهم يساوم على تضحياتهم، ويستعمل شعار “الحق” لتغطية عجزه السياسي. ومهما حاولت تلك القيادات التجمّل بخطابات “الشراكة” و”السلام العادل”، فإن الواقع يفضح أن ما يجري ليس إلا بحثًا عن مكاسب شخصية ومواقع نفوذ تحت لافتة القضية الجنوبية.

 

إن الجنوب قضية وطنية عادلة، لكنها لن تنتصر بقيادات تنظيرية تعيش على وقع الشعارات. تحتاج إلى رجالٍ أحرار يملكون الشجاعة في الموقف، والنزاهة في القرار، والقدرة على قراءة المستقبل لا اجترار الماضي.

 

ومهما تجاهل البعض إرادة الجنوبيين، فإن الحق لا يُلغى بالتجاهل، ولا يُمحى بالخطابات. فإرادة الشعوب لا تموت، والجنوب سيبقى حيًا بعد أن يطوي الزمن صفحة المتاجرين باسمه.