قد لا يكون فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) أحد أقوى الفيروسات المهددة للبشرية؛ إلا أنه متسلح بخاصية انتشار سريعة، وعدم وجود عقار مضاد له- حتى كتابة هذا التقرير.. إنه يمثل حالة ذعر للعالم بأسره على الرغم من سهولة الاحترازات التي يمكن اتباعها لمنع انتشاره؛ غير أن صعوبتها في أهمية انضباط جماعي عالمي في الالتزام بها.
الفيروس الذي ظهر لأول مرة في الصين في 12 ديسمبر 2019م يُحكِم قبضته على العالم، في صورة تُظهر مدى ضآلة القدرة الإنسانية رغم تقدّمها أمام الآفات والأوبئة، ربما لحكمة يريدها الخالق تدعو للتأمل في جوانب عديدة فيما يتعلق بهذا القاتل الذي تُمثّل اللحظات فارقًا في التحدي العالمي لاكتشاف عقار ناجع ضده.
الفيروس الذي أوقف مظاهر الحياة العادية في أغلب دول العالم، وأجبر الناس على البقاء في بيوتهم، وأرغم الحكومات على تدابير؛ متصاعدة مثلما أوقف حتى الشعائر الدينية والمعتقدات والمناسبات، ليدخل الجميع خندق الدفاع في مواجهة وصلت مرحلة حساسة جدًّا.
العالم يتحد:
تقول منظمة الصحة العالمية: إن من المستحيل تَوَقّع المرحلة التي سيبلغ فيها هذا الفيروس (الجائحة) ذروته، وهو الذي أصاب حتى الآن أكثر من 170 ألف شخص في قرابة 140 بلدًا، ومخلفًا أكثر من 6600 ضحية، ما زال يسير بسرعة صاروخية خاصة في البلدان التي لم تتخذ التدابير اللازمة وبشكل مبكر.
وبرغم أن نسبة الشفاء منه عالية؛ إلا أن تمدده السريع رفَع تصنيفه إلى درجة (جائحة) لتسارع الدول لاتخاذ الإجراءات الأساسية، مع تفاوت وتباين بسيط. وفي حالات أخرى لم تقم بعض الدول بما يكفي في الوقت المناسب؛ فكانت النتائج كارثية مثل إيطاليا وإسبانيا وإيران؛ فيما أعلنت الصحة العالمية أن أوروبا أصبحت البؤرة الجديدة للفيروس.
كورونا المستجد يتسلح بالشائعات
وُصفت الشائعات تحديدًا بأنها قد تكون أسوأ من الفيروس نفسه. هذا ما أكدته منظمة الصحة العالمية وكافة الجهات الصحية الموثوقة عالميًّا؛ حيث ساعدت الشائعات على إثارة هلع غير مسبوق يتعارض مع الوقائع التي تقدّمها المنظمة الصحية العالمية. كما تأتي نظريات المؤامرة والربط مع تنبؤات سابقة أو دراما سينمائية، لتزيد من هلامية الأمر لدى المتلقي.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أبرز الشائعات التي تم نفيها من منظمة الصحة العالمية ومراكز موثوقة؛ مثل قدرة الثوم وحرارة الصيف على قتل الفيروس، وقدرة ثاني أكسيد الكلور على "التخلص" منه، وكذلك ما زعمه البعض من أن المعقمات وأنواعًا خاصة من الصابون هي فقط التي تقتل الفيروس.
ومن الشائعات أيضًا: أن من يصاب بفيروس كورونا سيموت! والحقيقة تؤكدها منظمة الصحة العالمية أن أكثر مَن يُتوفون هم مَن يعانون من ضِعف الجهاز المناعي، والسائد في معظم الحالات أن تختفي الأعراض من تلقاء نفسها.
ومن الأمور التي أشغلت وربما ما زالت مجالًا للتكهن بها؛ أن فيروس كورنا المستجد هو سلاح بيولوجي، وتم الربط بين الفيروس وسيناريوهات أفلام أنتجت قبل سنوات؛ وهو أمر لم يثبت ولم يتم تأكيده من جهات موثوقة.
الإجراءات العاجلة:
وتمثلت أغلب الإجراءات المتخذة من دول ومنظمات أممية وقارية، في قيود مشددة على حركة السفر، وتعليق التعليم، وإيقاف الأنشطة السياحية والرياضية، وإلزام بالتقيد بالعزل المنزلي للمشتبه في حالتهم، والحجر الصحي للمصابين. وكذلك منع التجمعات بشكل عام، وقامت بعض الدول بإعلان حالة الطوارئ في محاولات للتصدي لأكبر تحدٍّ للأنظمة الصحية في البلدان المتقدمة.
هذا فيما أكد صندوق النقد الدولي أن كورونا سيجرّ أثارًا سلبية كبيرة على النمو الاقتصادي العالمي في 2020م؛ معلنًا عن تخصيص50 مليار دولار لمكافحة تداعيات الفيروس على اقتصاد الدول منخفضة الدخل.
تصريحات صادمة:
من جهة أخرى، جاءت بعض الإجراءات مثيرة للدهشة والغضب؛ ومن ذلك ما أعلنته بريطانيا، أنها ستعتمد استراتيجية (مناعة القطيع)، وهي ترك فيروس كورونا ليطال نحو 40 مليون من سكان المملكة المتحدة (ما نسبته 60%)؛ بمعنى أن إصابة 60% من المجتمع كافٍ لإحداث مناعة جماعية تكفي لإيقاف سلسلة انتقال العدوى من شخص لآخر! هذه كانت صدمة لا تقل عن صدمة تصريح رئيس الوزراء بوريس جونسون بأن على الجميع الاستعداد لفقد أحبائهم! وتقول بريطانيا: إن سياسة الإغلاق والحجر تؤجل مواجهة الفيروس لا أكثر، وأنه بمجرد انتهاء الإجراءات المشددة أو تخفيفها التي تفعّلها بعض الدول؛ سيعود الفيروس للنشاط من جديد، وسيحدث تفشٍّ آخر ربما أشد؛ لأن المجتمع لم يطور مناعة جماعية.
السخرية.. واللامبالاة كرد فعل!
في دول أخرى وخاصة العربية، جاءت بعض ردود الأفعال صادمة للبعض ومرفوضة للبعض الآخر فيما اعتبره طرف ثالث ضمن سياق (شر البلية ما يضحك)، وظهر ذلك غالبًا في بلدان المغرب العربي والشمال الأفريقي.. وفي مصر مثلًا شكّل الأمر مادة دسمة لروح الفكاهة للشعب المصري خصوصًا في البداية مع تأخر الإعلان عن إصابات؛ فأطلقوا العنان لخيالهم؛ فانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي طرائف وصور وأغانٍ شعبية حول "الكورونا". السخرية أو التجاهل أو ربما استثمار الحدث؛ جاء أيضًا على أشكال أخرى مثل صنع قوالب حلوى على هيئة الفيروس.
والأمر قد يكون في النهاية، كما وصفه استشاري علم الطب النفسي د. طارق الحبيب بقوله: "الطقطقة التي يتناقلها البعض حول كورونا ليست بالضرورة دليلًا على استرخائه أو استهتاره؛ وإنما أحيانًا بحث عن مهدئات للقلق الذي أصابه ولم يعرف كيف يتعامل معه. إنها نوع من الحيل النفسية اللاشعورية".
رُب ضارة نافعة
وعلى طريقة (رُب ضارة نافعة)، يرى البعض الأمرَ لم يخلُ من فوائد ومنها: انخفاض أسعار خدمات الإنترنت في بعض الدول وهذا حدث في مصر. وذلك لحثّ المواطنين على البقاء في المنازل لأطول وقت.
هذا فيما يرى البعض أن الفيروس انحاز لدعم الحياة الأسرية فجمع العائلات بشكل أفضل، كما كشف أهمية التعاون والترابط العالمي، واختبر القدرات الصحية العالمية.
وسواء كجانب ساخر أو لا؛ فإن الفيروس قام بتنقية وتعقيم الأجواء بدءًا من الصين حيث ترتفع نِسَب التلوث بشكل مفجع. كما أنه سيدعم خفض أسعار العقار عالميًّا. وسيتسبب في تطوير حقيقي لمنظومات التعليم عن بُعد في العالم كله. ومن جانب طريف يرى البعض أن الفرصة مواتية لحفلات زفاف مخفضة التكاليف على كل المستويات.
هل كونفيد 19 هو الأشد فتكًا؟
يؤكد المتخصصون أن هذا الفيروس حتى الآن وبما تم رصده من أرقام ضحايا ليس هو القاتل الأكبر؛ فقد سبَقته أوبئة أشد فتكًا ومن أبرزها:
- الطاعون الأسود (أوروبا عاميْ 1348 و1349م)- قتل نحو 20 مليون شخص.
- طاعون لندن العظيم: (عاميْ 1665 و1666م) تجاوز عدد الضحايا الـ100 ألف شخص.
- الحمى الصفراء: (فيلادلفيا الأمريكية عام 1793)، وتسبب في مقتل حوالى خمسة وأربعين ألف شخص.
- الكوليرا: (عام 1820- جنوب شرق آسيا)، وبلغ عدد الضحايا أكثر من 100 ألف شخص.
- إنفلونزا الخنازير: (في عام 2009)، وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية في عام 2010 عن وفاة 18 ألف شخص جراء الوباء.
- الإيبولا: (ديسمبر2013م- غينيا، ليبيريا، سيراليون) بلغ عدد الضحايا قرابة عشرة آلاف شخص خلال مرحلتين.
كورونا يعرج على المشاهير:
وبالطبع لا يفرق كورونا المستجد بين العامة والمشاهير. وبوصوله إلى قرابة 140 دولة؛ فقد أضاف لقائمته عددًا من أبرز المشاهير في مختلف المجالات؛ ومن ذلك زوجة رئيس الوزراء الكندي صوفي غريغوار ترودو، والممثل توم هانكس وزوجته ريتا ويلسن، ووزير الداخلية الأسترالي بيتر داتون، ووزير الثقافة الفرنسي فرانك ريستر، ووزيرة الصحة البريطانية نادين دوريس، وماريا بيغونيا غوميز زوجة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز.
خطى متسارعة لإنتاج اللقاح:
هل سنرى لقاحًا فاعلًا لعلاج الفيروس قريبًا؟.. إنه السؤال الأهم عالميًّا.
في 16 مارس الجاري أجرى باحثون في سياتل الأمريكية، تجربة الجرعة الأولى من لقاح ضد فيروس كورونا المستجد على متبرعين غير حاملين للمرض؛ حيث يحصل المتبرعون الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18- 55 عامًا على جرعات أعلى لاختبار مدى قوة اللقاح؛ هذا فيما أجرى معهد "Kaiser" تجربة اللقاح على 45 متطوعًا على مدى شهرين؛ حيث أكدت المشرفة على الدراسة ليزا جاكسون، أنهم بصدد تطوير اللقاح وطرحه بالأسواق في غضون 12- 18 شهرًا.
من جهتها ذكرت منظمة الصحة العالمية في مطلع الشهر الجاري أن هناك 20 لقاحًا جديدًا قيد التطوير لمكافحة فيروس كورونا المستجد. وأن هناك أكثر من 400 من العلماء يعملون على إيجاد حل للفيروس.
هل ستتكرر الإصابة بعد الشفاء؟
تقول دراسة أجرتها مجلة "لانسيت" الطبية: إن مرضى فيروسات كورونا يظلون حاملين للعامل المسبب للممرض في الجهاز التنفسي لمدة 37 يومًا؛ مما يعني أنهم قد يظلون مُعدين لعدة أسابيع بعد شفائهم منه. كما أفادت بيانات من مسؤولي الصحة في مقاطعة غوانغدونغ الصينية بأن 14% من الناس الذين تعافوا من المرض أصيبوا به مرة أخرى بعد إجراء الفحوصات عليهم مجددًا.
تحديات أمام اللفاح:
وفي تقرير لـ"المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة": "لا تزال الشركات الكبرى للأدوية ومؤسسات البحوث والتطوير في المراحل الأولية لعملية التطوير؛ وهو ما يرجع إلى التكلفة المادية الضخمة وحسابات الربحية لدى بعض الشركات، والاحتياج إلى إجراء تجارب واختبارات متعددة قبل طرحه للتداول".
وأشار التقرير إلى بعض أبرز المحاولات مثل التجربة الصينية لأدوية استخدمت في علاجات الإيبولا والإيدز؛ فيما تعمل شركة الأدوية الألمانية "كيورفاك إيه جي" على مشروعها الخاص في غضون أشهر، وكذلك هناك جهود مماثلة في اليابان وبريطانيا، وكل تلك الجهود تشترك في الحاجة لوقت لا يقل عن نهاية العام الحالي.
مضيفًا: يواجه تطوير اللقاح تحديات جمة؛ أبرزها التكلفة المادية التي تحتاج لها مراكز البحوث العالمية، وأهمية توفير دعم مالي سخي، وموازنة الشركات بين مصالحها لأن المنتج الجديد قد يعني خسائر فادحةً؛ خاصةً إذا تلاشى الطلب عليه لاختفاء الوباء أو نهايته بشكل مفاجئ.
التفاؤل حاضر:
يقول الدكتور هوارد ماركيل، من جامعة ميشيغان: "إذا كنت سأتوقع؛ فسأقول على الأرجح إنه بحلول مايو أو يونيو أو يوليو، هذا الفيروس سينتهي بنفسه".
هذا فيما نقل موقع "فوكس" عن خبراء قولهم: إن هناك ثلاثة سيناريوهات لنهاية هذا الفيروس وأولها: السيطرة على انتشار الفيروس من خلال تدخلات الصحة العامة، والثاني: يحترق الفيروس بنفسه بعد فترة معينة. والسيناريو الثالث أن يتحول كوفيد 19 إلى فيروس آخر مثلما حدث هذا من قبل في عام 2009؛ حيث طوقت سلالة جديدة من فيروس إنفلونزا "H1N1" الكرة الأرضية في وباء.