في. الرواية والترجمة

فرغت من قراﺀة أقصوصة (لاعب الشطرنج )للنمساوي ستيفان زيفايج الذي يعد من مشاهير روائيي أوربا في القرن العشرين

والأقصوصة هذه ليست من الأعمال  الروائية الكبيرة ولكن جمالها في أصالة الحبكة الروائية عند هذا الروائي الفنان إذ عمد إلى تصوير مقتطع زمني محدود في زمن محدود في مكان محدود بشخصيات محدودة جدا  ..

على أني لا أريد هنا  أن أتحدث عن الرواية ولكني أريد أن أتحدث عن الترجمة المتقنة لهذه الرواية لأحد أعمدة الرواية العربية (يحيى حقي) ...يبدو أن الترجمة الجيدة هي التي  تتماهى مع النص المترجم لا التي  تسير خارجه وأعني أن ترجمة (حقي) انمازت بأمرين :

 روح الروائي ولغته ...

وسأقف عند الثاني إذ الأمر الأول مقرر معلوم .

الحق أن ما أدهشني وأعجبني وآنقني هو اللغة الفصيحة المتقنة التي لا تغادر تركيبا واحدا من تراكيب الرواية ...نحن أمام براعة لغوية محببة ..ليس فيها سقطات الترجمة الركيكة ..ولا تنطع الترجمة العويصة ..يمضي بك الترجمة رخية إلى نهاية النص ..

وليس هذا بمستغرب من رجل كان خدنا لشيخ العربية محمود شاكر يلازمه ملازمة طويلة في بيته ومكتبته ...

على أن هذه الترجمة المتقنة ذكرتني بأنماط أخرى للترجمة مررت بها في قراﺀتي للآداب العالمية ...

فقد قرأت فيما قرأت ترجمات يشعرك أصحابها أن النص عربي قادم من فدافد نجد وأرباضها ....كنت أقرأ ترجمة لبنانية لرواية أنا كارنينا الذائعة فلم أر الا بيانا مصفوفا ..وحذلقة لغوية تذهب بأصالة النص وروحه ..قرأت ذات مرة لمترجم يقول على لسان أحد شخوص الرواية ..ولسان حاله يقول ..

بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ......البيت الزيدوني المعروف ... فتفجأك هذه الإضافة الباردة فيسيىﺀ مرتين ..مرة الى البيت الرقيق الجميل حينما يضعه في غير موضعه ..وإلى النص المترجم حينما يدخل فيه ما ليس منه

.....

على أننا إن يممنا شطر الضفة الأخرى من نهر الترجمة وجدنا ترجمات متقنة حافضت على روح النص وبيئته وأدخلت القارئ بسلاسة في جو الرواية.

لن ننسى هنا أسماﺀ لامعة عشنا معها سنين طوال ..ومازلنا نمتح من فيض سحرها ...من مثل منير البعلبكي الموسوعي المجمعي ..وسامي الدروبي المتخصص في علم النفس  في ترجماته لروايات ديستويفسكي ..ومحمد عناني في ترجماته الشاعرة لشكسبير ..و طه محمود طه المفتون بجيمس جويس ولا سيما ترجمته لرواية (يوليسيس)....وشوقي جلال ..وأسماﺀ كثر أثرت الترجمة وأحسنت إلى العربية واللغات المنقولة منها على حد سواﺀ ...ولعل لنا حديثا آخر له صلة بهذا .